في القلب وارتياح يسمى ذلك الارتياح رجاء.
فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب، ولكن ذلك المحبوب المتوقع لابد وأن يكون له سبب فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر أسبابه، فاسم الرجاء عليه صادق، وإن كان ذلك انتظارا مع عدم تهيئ أسبابه واضطرابها، فاسم الغرور والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء، وإن لم تكن الأسباب معلومة الوجود ولا معلومة الانتفاء، فاسم التمني أصدق على انتظاره لأنه انتظار من غير سبب.
وعلى كل حال، فلا يطلق اسم الرجاء والخوف إلا على ما يتردد فيه، أما ما يقطع به فلا، إذ لا يقال: أرجو طلوع الشمس وقت الطلوع، وأخاف غروبها وقت الغروب، لان ذلك مقطوع به، نعم يقال: أرجو نزول المطر وأخاف انقطاعه.
وقد علم أرباب القلوب أن الدنيا مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والايمان كالبذر فيه، والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها، والقلب المستغرق بالدنيا كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر، ويوم القيامة الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع، ولا ينمو زرع إلا من بذر الايمان، وقلما ينفع إيمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه، كما لاينبو بذر في أرض سبخة.
فينبغي أن يقاس رجاء العبد للمغفرة برجاء صاحب الزرع، فكل من طلب أرضا طيبة وألقى فيها بذرا جيدا غير عفن ولا مسوس، ثم أمده بما يحتاج إليه وهو سياق الماء إليه في أوقاته ثم نقى الأرض عن الشوك والحشيش، وكل ما يمنع نبات البذر أو يفسده، ثم جلس منتظرا من فضل الله رفع الصواعق والآيات المفسدة إلى أن يثمر الزرع ويبلغ غايته، سمي انتظاره رجاء، وإن بث البذر في أرض صلبة سبخة مرتفعة لا ينصب الماء إليها، ولم يشغل بتعهد البذر أصلا ثم انتظر حصاد الزرع يسمى انتظاره حمقا وغرورا، لا رجاء، وإن بث البذر في أرض طيبة ولكن لا ماء لها، وينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا يمتنع، سمي انتظاره تمنيا لا رجاء.