فإن لم تكن العبادة بهذه النية صحيح لم يصح له أن يفعل ذلك، ويلقن به غيره، ويظهره في كلامه.
إن قيل: إن جنة الأولياء لقاء الله وقربه، ونارهم فراقه وبعده، فيجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام أراد ذلك، قلنا إرادة ذلك ترجع إلى طلب القرب المعنوي والدنو الروحاني، ومثل هذه النية مختص بأولياء الله كما اعترف به فغيرهم لماذا يعبدون وليس في الآخرة إلا الله، والجنة والنار، فمن لم يكن من أهل الله وأوليائه لا يمكن له أن يطلب إلا الجنة أو يهرب إلا من النار المعهودتين، إذ لا يعرف غير ذلك وكل يعمل على شاكلته، ولما يحبه ويهواه غير هذا لا يكون أبدا.
ولعل هذا القائل لم يعرف معنى النية وحقيقتها، وأن النية ليست مجرد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس أصلي أو أصوم أو أدرس قربة إلى الله تعالى ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك، ومتصورا لها بقلبك، هيهات إنما هذا تحريك لسان وحديث نفس، وإنما النية المعتبرة انبعاث النفس وميلها و توجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها، إما عاجلا وإما آجلا.
وهذا الانبعات والميل إذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ، وتصور تلك المعاني، وما ذلك إلا كقول الشبعان أشتهي الطعام وأميل إليه، قاصدا حصول الميل والاشتهاء، وكقول الفارغ أعشق فلانا وأحبه وأنقاد إليه وأطيعه، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشئ وميله إليه وإقباله عليه، إلا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث واجتناب الأمور المنافية لذلك المضادة له، فان النفس إنما تنبعث إلى الفعل وتقصده، وتميل إليه تحصيلا للغرض الملايم لها، بحسب ما يغلب عليها من الصفات.
فإذا غلب على قلب المدرس مثلا حب الشهرة، وإظهار الفضيلة، وإقبال الطلبة إليه، فلا يتمكن من التدريس بنية التقرب إلى الله سبحانه بنشر العلم