فإذا اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره، وهو فضل الله بصرف القواطع والمفسدات.
فالعبد إذا بث بذر الايمان، وسقاه بماء الطاعة، وطهر القلب عن شوك الأخلاق الردية، وانتظر من فضل الله تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه، باعثا له على المواظبة والقيام بمقتضى الايمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت، وإن انقطع عن بذر الايمان تعهده بماء الطاعات، أو ترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق وانهمك في طلب لذات الدنيا، ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور كما قال تعالى: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا " (1) وإنما الرجاء بعد تأكد الأسباب، ولذا قال تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " (2).
وأما من ينهمك فيما يكرهه الله، ولا يذم نفسه عليه، ولا يعزم على التوبة والرجوع، فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من بث البذر في أرض سبخة وعزم أن لا يتعهدها بسقي ولا تنقية.
فإذا عرفت حقيقة الرجاء ومظنته، فقد عرفت أنها حالة أثمرها العلم بجريان أكثر الأسباب، وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية الأسباب على حسب الامكان فان من حسن بذره، وطابت أرضه، وغزر ماؤه، صدق رجاؤه فلا يزال يحمله صدق الرجاء على تفقد الأرض وتعهده، وتنقية كل حشيش ينبت فيه، ولا يفتر عن تعهده أصلا إلى وقت الحصاد، وهذا لان الرجاء يضاده اليأس، واليأس يمنع من التعهد، والخوف ليس بضد للرجاء، بل هو رفيق له وباعث آخر بطريق الرهبة، كما أن الرجاء باعث بطريق الرغبة انتهى.