الحس والاتصال بروح القدس استئناسها بجوهر ذاته المجردة منه بالشبح المتمثل فتشاهده ببصر ذاته العاقلة، ويستفيد منه وهو في صورته القدسية كما ورد في الحديث أن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله مرة في صورته الخاصة كأنه طبق الخافقين. ثم دون هذه الضروب لسائر درجاته ما يتفق له من القوة القدسية نصيب مرتبة النبوة أن يرى ملائكة الله ويسمع كلام الله ولكن في النوم لا في اليقظة. وسبيل القول فيه أيضا ما دريت، إلا أن الامر هناك ينتهي إلى القوة المتخيلة ويقف عندها بمحاكاتها وتنظيمها وتفصيلها لما قد طالعته النفس من عالم الملكوت، من دون انحدار الصورة المتمثلة والعبارة المنتظمة منها إلى الحس المشترك. فأما الرؤيا الصالحة لنفوس العرفاء والصالحين فواقعة في هذا الطريق، غير واصلة إلى درجة النبوة وبلوغ الغاية. وفي الحديث أنها جزء من ستة وأربعين أو سبعين جزء من النبوة، على اختلافات الروايات. وقصاراها في مرتبة الكمال وأقصاها للمحدثين - بالفتح على البناء للمفعول من التحديث - وهم الذين يرفضون عالم الشهادة ويصعدون إلى عالم الغيب، فربما يسمعون الصوت في اليقظة عن سبيل الباطن، ولكنهم لا يعاينون شخصا متشبحا. وفي كتاب الحجة من كتاب الكافي لشيخ الدين أبي جعفر الكليني - رضي الله عنه - باب في الفرق بين الرسول والنبي صلى الله عليه وآله والمحدث، وأن الأئمة عليهم السلام محدثون مفهمون (1). وإذ قد انصرح لك من المسألة من سبيلها فقد استبان أن قولنا " نزل الملك " مجاز عقلي مستعمل طرفاه في معنييهما الحقيقيين والتجوز فيه في الاسناد، إذ النزول حقيقة منسوب إلى الصورة المتشبحة المتمثلة وقد أسند بالعرض إلى الجوهر المجرد القدسي وهو الملك، وليس هو من الاستعارة في شئ أصلا، كما قولنا " تحرك جالس السفينة " وقولنا: " أنا متحرك " و " أنا ساكن " وقولنا " رأيت زيدا " إذا عنينا به شخصه الموجود في الخارج بهويته العينية لا صورته الذهنية المرئية المنطبعة في الحس المشترك وسائر المقولات في وجود الاتصافات بالعرض كلها على هذه الشاكلة. وأما. " نزل الفرقان " فمجاز مرسل
(٢١٥)