استعارة تبعية، وقولنا نزل الفرقان مجازا مرسلا بتبعية تلك الاستعارة التبعية.
قلت: لا يطمئن مني أحد من الناس أن أستصح ذلك بجهة من الجهات، وإن فيه شقا لعصا الأمة بفرقها المفترقة، وأحاديثها المتواترة، وخرقا للقوانين العقلية الفلسفية، ونسخا للضوابط المقررة البيانية، فالأمة مطبقة على أن النبي صلى الله عليه وآله يرى جبرئيل عليه السلام وملائكة الله المقربين ببصره الجسماني، ويسمع كلام الله الكريم على لسانهم القدسي بسمعه الجسماني، وقوائم الحكمة قائمة بالقسط أنه إنما ملاك الرؤية البشرية والابصار الحسي انطباع الصورة في الحس المشترك و إنما المبصر المرئي بالحقيقة من الشئ الماثل بين يدي الحس الصورة الذهنية المنطبعة، وأما ذو الصورة بهويته العينية ومادته الخارجية فمبصر بالعرض، مرئي بالمجاز، وإن كان مثوله العيني شرط الابصار، والجليديتان هما مسلكا التأدية لا لوحا الانطباع، وعلى هذه السنة شاكلة السمع أيضا، والإفاضة مطلقا من تلقاء واهب الصور فإذا كانت النفس واغلة الهمة في الجنبة الجسدانية، طفيفة الانجذاب إلى صقع الحق وعالم القدس لم يكن لنبطاسياها سبيل إلى التطبع بالصورة من تلقاء واهب الصور إلا من مسلك الحاسة الظاهرة، ومثول المادة الخارجية بين يديها، فأما إذا كانت قدسية الفطرة، مستنيرة الغريزة في جوهر جبلتها المفطورة ثم في سجيتها المكسوبة، صارت نقية الجوهر، طاهرة الذات، أكيدة العلاقة بعالم العقل، شديدة الاستحقاق لعالم الحس قاهرة الملكة، قوية المنة على خلع البدن ورفض الحواس، والانصراف إلى صقع القدس حيث شاءت ومتى شاءت بإذن ربها، وقوتها المتخيلة أيضا قليلة الانغماس في جانب الظاهر، قوية التلقي من عالم الغيب، فإنها تخلص من شركة الطبيعة، وتعزل اللحظ عن الجسد في اليقظة فترجع إلى عالمها، وتتصل بروح القدس، وبمن شاء الله من الملائكة المقربين، و تستفيد من هنالك العلم والحكمة بالانتقاش على سبيل الرشح كمرآة مجلوة حوذي بها شطر الشمس، ولكن حيث إنها يومئذ في دار غريبتها (1) بعد بالطبع، ولم تنسلخ عن علاقتها