الطبيعية بتدبر جيوشها الجسدية، وأمورها البدنية، تكون مثالها فيما تناله بحسب ذلك الشأن وتلك الدرجة تحول الملك لها على صورة مادية متمثلة في شبح بشري ينطبق بكلمات إلهية مسموعة منظومة، كما قال عز من قال " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا " (1) وأعني بذلك ارتسام الصورة في لوح الانطباع لا من سبيل الظاهر والاخذ عن مادة خارجية، بل بالانحدار إليه من الباطن، والحصول عن صقع الإفاضة، فإذن في السماع والابصار المشهورين يرتفع المسموع و المبصر من المواد الخارجية إلى لوح الانطباع، ثم منه إلى الخيال والمتخيلة ثم يصعد الامر إلى النفس العاقلة، وفي إبصار الملك وسماع الوحي وهما الابصار والسماع الصريحان ينعكس الشأن، فينزل الفيض إلى النفس من عالم الامر، فهي تطالع شيئا من الملكوت مجردة غير مستصحبة لقوة خيالية أو وهمية أو غيرهما ثم يفيض عن النفس إلى القوة الخيالية، فتخيله مفصلا منضما بعبارة منظومة مسموعة، فتمثل لها الصورة في الخيال من صقع الرحمة وعالم الإفاضة، ثم تنحدر الصورة المتمثلة والعبارة المنتظمة من الخيال والمتخيلة إلى لوح الانطباع، وهو الحس المشترك، فتسمع الكلام، وتبصر الصورة، فهذا أفضل ضروب الوحي و الايحاء، ويقال إنه مخاطبة العقل الفعال للنفس بألفاظ مسموعة مفصلة، وله أنحاء مختلفة، ومراتب متفاصلة، بحسب درجات للنفس متفاوتة، وقد يكون في بعض درجاته لا يتخصص المسموع والمبصر بجهة من جهات العالم بخصوصها، بل الامر يعم الجهات بأسرها في حالة واحدة. وفي الحديث أن الحارث بن هشام سأل رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ قال: أحيانا يأتي مثل صلصلة الجرس وهو أشد علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يمثل إلي الملك رجلا فيكلمني، فأعي ما يقول.
وربما تكون النفس المتنورة صقالتها في بعض الأحايين أتم، وسلطانها على قهر الصوارف الجسدانية والشواغل الهيولانية أعظم، فيكون عند الانصراف عن عالم