المكاشفات اليقينية، والمقامات الحقة (1) كما أن للشياطين (2) تأثيرات في الأرواح بإلقاء الوساوس فيها، وتخييل الأباطيل إليها، وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات، فهم يقولون كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة، فإن تلك العلائق (3) لازمة غير قابلة للزوال، بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى، وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة، وهي كالشعلة بالنسبة إلى الشمس، والقطرة بالنسبة إلى البحر، والتعلقات الجسدانية هي (4) تحول بينها وبين الملائكة كما قال صلى الله عليه وآله " لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات " فإذا زالت العلائق الجسمانية والتدبيرات البدنية فقد زال الغطاء والوطاء، فيتصل الأثر بالمؤثر، والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس، فهذا هو المراد من قوله " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ثم قال: والأقرب عندي أن قوله " ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم " إشارة إلى الجنة الجسمانية " ولكم فيها ما تدعون " إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله تعالى " دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمين (5) " (انتهى).
" فالذين عند ربك " أي جميع الملائكة أو طائفة مخصوصة منهم، وعلى الأول دوام تسبيحهم لا ينافي اشتغالهم بسائر الخدمات، مع أن تلك الخدمات أيضا نوع من تسبيحهم " وهم لا يسأمون " أي لا يملون ولا يفترون.
وقال الرازي في قوله تعالى " والملائكة يسبحون بحمد ربهم ": اعلم