والوجه الثاني أن المراد بالأول الصفوف الحاصلة من العلماء المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى، وبالثاني اشتغالهم بالزجر عن الشبهات والشهوات وبالثالث اشتغالهم بالدعوة إلى دين الله والترغيب في العمل بشرائع الله.
الوجه الثالث: أن نحملها على أحوال الغزاة والمجاهدين في سبيل الله، فالمراد بالأول صفوف القتال كقوله (1) تعالى: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا (2) " وبالثاني رفع الصوت بزجر الخيل، وبالثالث اشتغالهم وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن وذكر الله بالتهليل والتقديس.
والوجه الرابع: أن نجعلها صفات لآيات القرآن، فالأول المراد به كونها أنواعا مختلفة بعضها في دلائل التوحيد، وبعضها في بيان التكاليف والاحكام، وبعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة، وهذه الآيات مترتبة (3) ترتيبا لا يتغير ولا يتبدل، فهي تشبه أشخاصا واقفين في صفوف معينة، وبالثاني الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة، وبالثالث الآيات الدالة على وجوب الاقدام على أعمال البر والخير، و وصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر وكلام قائل، قال تعالى:
" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (4) " وأما الاحتمال الثاني هو أن يكون المراد بهذه الثلاثة أشياء متغايرة، فقيل المراد بقوله " والصافات صفا " الطير من قوله تعالى " والطير صافات (5) " والزاجرات كل ما زجر عن معاصي الله، والتاليات كل ما يتلى من كتاب الله.
وأقول: فيه وجه آخر، وهو أن مخلوقات الله إما جسمانية وإما روحانية، أما الجسمانية فإنها مترتبة (6) على طبقات ودرجات لا يتغير البتة