أن مخلوقات الله نوعان: [نوع] عالم الجسمانيات وأعظمها السماوات، وعالم الروحانيات وأعظمها الملائكة، فبين سبحانه كمال عظمته باستيلاء هيبته على الجسمانيات فقال " تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن " (1) ثم انتقل إلى ذكر الروحانيات فقال: " والملائكة يسبحون بحمد ربهم " والجواهر الروحانية لها تعلقان: تعلق بعالم الجلال والكبرياء وهو تعلق القبول فإن الأضواء الصمدية إذا شرقت على الجواهر الروحانية استضاءت جواهرها وأشرقت ماهياتها، ثم إن الجواهر الروحانية إذا استفادت تلك القوى الربانية (2) قويت بها على الاستيلاء على عالم (3) الجسمانيات، وإذا كان كذلك فلها وجهان:
وجه إلى حضرة الجلال، ووجه إلى عالم الأجسام، والوجه الأول أشرف من الثاني: إذا عرفت هذا فنقول: أما الجهة الأولى وهي الجهة المقدسة العلوية فقد اشتملت على أمرين: أحدهما التسبيح، والثاني التحميد، لان التسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا ينبغي، والتحميد عبارة عن وصفه بكونه معطيا (4) لكل الخيرات، وكونه منزها في ذاته عما لا ينبغي مقدم بالرتبة على كونه فياضا للخيرات والسعادات، لان وجود الشئ (5) وحصوله في نفسه مقدم على تأثيره في حصول غيره، فلهذا السبب كان التسبيح مقدما على التحميد، ولهذا قال " يسبحون بحمد ربهم " وأما الجهة الثانية وهي الجهة التي لتلك الأرواح إلى عالم الجسمانيات فالإشارة إليها بقوله " ويستغفرون لمن في الأرض " والمراد منها تأثيراتها في نظم أحوال هذا العالم وحصول الطريق الأصوب فيها (6) (انتهى).
واستدل بالآية على عصمة الملائكة، لأنهم لو كانوا مذنبين كانوا يستغفرون