قوله " فالملقيات ذكرا (1).
إذا عرفت هذا فنقول: في هذه الآية دقيقة أخرى، وهي أن الكمال المطلق للشئ إنما يحصل إذا كان تاما وفوق التام، والمراد بكونه تاما أن تحصل الكمالات اللائقة به حصولا بالفعل، والمراد بكونه فوق التام أن يفيض منه أصناف الكمالات والنوالات (2) على غيره، ومن المعلوم أن كونه كاملا في ذاته مقدم على كونه مكملا لغيره، إذا عرفت هذا فقوله " والصافات صفا " إشارة إلى استكمال جواهر الملائكة في ذواتها وقت وقوفها في مواقف العبودية وصفوف الخدمة والطاعة، وقوله تعالى:
" فالزاجرات زجرا " إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إزالة مالا ينبغي عن جواهر الأرواح البشرية، وقوله تعالى: فالتاليات ذكرا " إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إفاضة الجلايا القدسية والأنوار الإلهية على الأنوار (3) الناطقة البشرية، فهذه مناسبات عقلية واعتبارات دقيقة (4) تنطبق عليها هذه الألفاظ الثلاثة.
الثاني: أن تحمل هذه الصفات على النفوس البشرية الطاهرة المقدسة المقبلة على عبودية الله تعالى الذين هم ملائكة الأرض، وبيانه من وجهين:
الأول: أن قوله: " والصافات صفا " المراد به الصفوف الحاصلة عند أداء الصلاة بالجماعة، وقوله: " فالزاجرات زجرا " إشارة إلى قراءة " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " كأنهم بسبب قراءة هذه الكلمة يزجرون الشياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصلاة، وقوله: " فالتاليات ذكرا " إشارة إلى قراءة القرآن في الصلاة، وقيل: (5) إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت.