وقال بعض الصوفية: للزمان المادي زمان مجرد كالنفس للجسد، وللمكان
السماء الأولى، قال تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) وقال تعالى (انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب).
واما الأيام فالمتيقن انه لم يكن قبل خلق الأرض يوم بمعناه المشهور، أعني ما يحصل من حركة الأرض الوضعية، لان هذا المعنى إنما يمكن قرضه بعد وجود ارض متحركة: فالمراد بها اما ساعات مساوية لها، أو مقادير أخرى من الزمان اعتبرت أياما بعناية: كما يطلق الأيام على السنين والأعوام بلى على القرون والأحقاب وهو استعمال شائع. وعلى أي تقدير فان قيل بوجود الزمان قبل خلق السماوات والأرض فلا بد من الالتزام بوجود جسم متحرك بحركة جوهرية أو عرضية قبلها - وقد مر استظهار وجود الماء عندئذ - والا فمعنى وقوع خلق السماوات والأرض في تلك الأزمنة مقارنته لها: ويكفى في المقارنة كونها بحركتها راسمة للزمان.
وأما القول بان الزمان أمر موهوم منتزع من بقاء ذات الباري سبحانه فان أريد ان ذاته تعالى منشأ لانتزاعه ففيه مضافا إلى أنه ينافي مخلوقيته ان الزمان أمر سيال متصرم وحقيقته التجدد والتغير وما هذا شانه يستحيل انتزاعه مما لا سبيل للتغير إليه بوجه، وكذلك القول بانتزاعه من الملائكة أو الأرواح، الا ان يقال بكونها أجساما قابلة للحركة فتصير كسائر الأجسام في صحة انتزاع الزمان من حركتها فتأمل. وان أريد انه أمر موهوم لا اثر منه في الخارج أصلا فلا يمكن إناطة الأبحاث الحقيقية كبحث القدم والحدوث الزمانين وغيره من الأبحاث الهامة: مع أنه بناء عليه لا يبقى فرق حقيقي بين الحوادث الماضية والآتية! وسيأتي الكلام فيه.
واما الكلام في وقوع الخلق مقارنا للأيام الستة فالذي يظهر من الآيات الشريفة ان المراد بالخلق ليس هو الاحداث الدفعي بل المراد الايجاد التدريجي: قال تعالى (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) وقال (خلق الأرض في يومين) وقال (وجعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام) والظاهر أنه ليس المراد بهذه الأربعة أياما أخرى غير اليومين الأولين، والا لما بقي لخلق السماوات شئ من ستة أيام، وهو تعالى يقول بعيد هنا (فقضاهن سبع سماوات في يومين) فخلق الأرض واكمالها إلى أن تستعد لوجود الرواسي و تهيئة الأقوات كل ذلك وقع في أربعة أيام، الا ان يقال بتداخل أيام خلق السماوات في أيام خلق الأرض ووقوع خلق السماوات مقارنا ليومين من أيام خلق الأرض وكيف كان فيشبه أن يكون المراد بالأيام التي خلقت فيها الأرض الأدوار التي مرت عليها من حين احداثها إلى أن صارت على حالها هذه واستعدت لنشوء الموجود الحي فيها، فينطبق على ما ذكره علماء (الجيولوجيا) في أدوار الأرض بعض الانطباق. وأن يكون المراد باليومين اللذين خلق فيهما السماوات الدورتين اللتين مرتا عليها أعني الدورة التي كانت مرتتقة غير متميزة، والدورة التي فتقت وسويت سبع سماوات متميزة. وسيأتي نقلا عن تفسير القمي ان المراد بأربعة أيام الفصول الأربعة لأنها التي يخرج الله تعالى فيها أقوات الناس والبهائم وسائر الحيوانات والله العالم.