عن ابن عباس قال: هما كتابان: كتاب سوى أم الكتاب يمحو الله منه ما يشاء و يثبت، وأم الكتاب لا يغير منه شئ، ورواه عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل، لان الكتب المنزلة انتسخت منه، فالمحو والاثبات إنما يقع في الكتب المنتسخة لا في أصل الكتاب، عن أكثر المفسرين، وقيل: سمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي كتب فيه أولا سيكون كذا وكذا لكل ما يكون، فإذا وقع كتب أنه قد كان ما قيل إنه سيكون، والوجه في ذلك ما فيه من المصلحة والاعتبار لمن تفكر فيه من الملائكة الذين يشاهدونه إذا قابلوا ما يكون بما هو مكتوب فيه وعلموا أن ما يحدث على كثرته قد أحصاه الله وعلمه قبل أن يكون، مع أن ذلك أهول في الصدور، و أعظم في النفوس، حتى كأن من تصوره وتفكر فيه مشاهد له (1) (انتهى).
واعلم أن للحكماء في تلك الأبواب خرافات تنتهي إلى المحالات، ثم إلى الزندقة والخروج عن مذاهب أرباب الديانات، وردوا في لباس التأويل أكثر الآيات والروايات، وإن زعموا تطبيقها عليها بأنواع المتحملات، فبعضهم يقول:
القلم هو العقل الأول، وجميع صور الأشياء حاصلة فيه على وجه بسيط عقلي مقدس عن شائبة كثرة وتفصيل، وهو صورة القضاء الإلهي، وهو بهذا الاعتبار يسمى بأم الكاب، ومنه ينتقش في ألواح النفوس الكلية السماوية كما ينتسخ بالقلم في اللوح صور معلومة مضبوطة منوطة بعللها وأسبابها على وجه كلي، وهو قدره تعالى ومن هذه النفوس الكلية ينتقش في قواها المنطبعة الخيالية نقوش جزئية متشكلة بأشكال وهيئات معينة على طبق ما يظهر في الخارج، وهذا العالم هو لوح القدر كما أن عالم النفوس الكلية هو لوح القضاء، وكل منهما بهذا الاعتبار كتاب مبين، إلا أن الأول محفوظ من المحو والاثبات، والثاني كتاب المحو والاثبات وفيه يكون البداء، لان القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة، لعدم تناهيها، بل إنما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا، و