أن لكل شئ مدة؟ قال: بلى، فقلت: هل ينفعك علمك؟ إن هذا الامر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين، إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل، وكيف هي؟ كنت لهم أشد بغضا، ولو جهدت وجهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيه من الاثم لم يقدروا، فلا يستفزنك الشيطان، فان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.
ألا تعلم أن من انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غدا في زمرتنا.
فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق، واحدث فيه ما ليس فيه، ووجه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الاناء (1).
ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله.
ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع.
ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن، مرحا لما يرى في الأرض من الفساد ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلا، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا، ورأيت أصحاب الآيات يحقرون ويحتقر من يحبهم، ورأيت سبيل الخير منقطعا وسبيل الشر مسلوكا