فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كل يوم، ويذهب إلى الصحاري للتنزه ولطلب الدراري التي تؤخذ منها، فقال له في بعض الأيام: إني قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.
قال: فأجابني إلى ذلك، وحملني وذهب بي إلى مقام القائم صلوات الله عليه خارج النجف فأجلسني هناك وغسل قميصه في الحوض وطرحها على شجرة كانت هناك، وذهب إلى الصحراء، وبقيت وحدي مغموما أفكر فيما يؤول إليه أمري فإذا أنا بشاب صبيح الوجه، أسمر اللون، دخل الصحن، وسلم علي وذهب إلى بيت المقام، وصلى عند المحراب ركعات، بخضوع وخشوع لم أر مثله قط فلما فرغ من الصلاة خرج وأتاني وسألني عن حالي فقلت له: ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها، ولا يذهب بي فأستريح، فقال: لا تحزن سيعطيك الله كليهما، وذهب.
فلما خرج رأيت القميص وقع على الأرض، فقمت وأخذت القميص وغسلتها وطرحتها على الشجر، فتفكرت في أمري وقلت: أنا كنت لا أقدر على القيام والحركة، فكيف صرت هكذا؟ فنظرت إلى نفسي فلم أجد شيئا مما كان بي فعلمت أنه كان القائم صلوات الله عليه، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحدا فندمت ندامة شديدة.
فلما أتاني صاحب الحجرة، سألني عن حالي وتحير في أمري فأخبرته بما جرى فتحسر على ما فات منه ومني، ومشيت معه إلى الحجرة.
قالوا: فكان هكذا سليما حتى أتى الحاج ورفقاؤه، فلما رآهم وكان معهم قليلا، مرض ومات، ودفن في الصحن، فظهر صحة ما أخبره عليه السلام من وقوع الامرين معا.
وهذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد، وأخبرني به ثقاتهم وصلحاؤهم.