أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم، عزم على السفر، وحملني معه، وسرنا في البحر.
فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء؟ فقلت له: إني أراه على غير لون ماء البحر.
فقال لي: هذا هو البحر الأبيض، وتلك الجزيرة الخضراء، وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته، وبحكمة الله تعالى إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر عليه السلام فاستعملته وشربت منه، فإذا هو كماء الفرات.
ثم إنا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض، وصلنا إلى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة أهله، ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة ودخلنا البلد، فرأيته محصنا بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر، ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوعة، وفيها أسواق كثيرة، وحمامات عديدة وأكثر عمارتها برخام شفاف وأهلها في أحسن الزي والبهاء فاستطار قلبي سرورا لما رأيته.
ثم مضى بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا في منزله إلى الجامع المعظم، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر [أن] أصفه، والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم، ويقرؤون عليه القرآن والفقه، والعربية بأقسامها، وأصول الدين والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الامر عليه السلام مسألة مسألة، وقضية قضية، وحكما حكما.
فلما مثلت بين يديه، رحب بي وأجلسني في القرب منه، وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق وعرفني أنه تقدم إليه كل أحوالي، وأن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.
ثم أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد، وقال لي: هذا