فتأثرت لطول المدة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا ونهارا بتعجيل مجيئها، وأنا عندهم في غاية الاعزاز والاكرام، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلى شاطئ البحر، أنظر إلى جهة المغرب التي ذكروا أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة.
فرأيت شبحا من بعيد يتحرك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم:
هل يكون في البحر طير أبيض؟ فقالوا لي: لا، فهل رأيت شيئا؟ قلت: نعم فاستبشروا وقالوا: هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام عليه السلام.
فما كان إلا قليل حتى قدمت تلك المراكب، وعلى قولهم إن مجيئها كان في غير الميعاد، فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتى كملت سبعا، فصعد (1) من المركب الكبير شيخ مربوع القامة، بهي المنظر، حسن الزي، ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى عليهم السلام، وصلى الظهرين، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علي فرددت عليه السلام فقال: ما اسمك وأظن أن اسمك علي؟ قلت: صدقت فحادثني بالسر محادثة من يعرفني فقال: ما اسم أبيك؟ ويوشك أن يكون فاضلا، قلت: نعم، ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق.
فقلت: أيها الشيخ! ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلى مصر؟ فقال: لا، قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟ قال: لا - ومولاي صاحب العصر، قلت له: فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟.
قال: اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك، وأصلك، ومعرفة اسمك وشخصك و هيئتك واسم أبيك، وأنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء.
فسررت بذلك حيث قد ذكرت ولي عندهم اسم، وكان من عادته أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعا وأوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم، فلما