الشك في أنه أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرين إلا ما كان من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك لان فضيلة الخطيب أو الكاتب في خطابته وكتابته يعتمد (1) على أمرين هما مفردات الألفاظ ومركباتها، أما المفردات فأن تكون سهلة سلسلة (2) غير وحشية ولا معقدة، وألفاظه عليه السلام كلها كذلك، وأما المركبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الافهام واشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض، وتلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع، من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم، ورد آخر الكلام على صدره، والترصيع والتسهيم والتوشيح والمماثلة والاستعارة، ولطافة استعمال المجاز والموازنة والتكافؤ والتسميط والمشاكلة، ولا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه وكتبه، مبثوثة متفرقة في فرش كلامه عليه السلام وليس يوجد هذان الأمران في كلام لاحد (3) غيره فإن كان قد تعملها (4) وأفكر فيها وأعمل رويته في وضعها (5) ونثرها فلقد أتى بالعجب العجائب (6)، ووجب أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره ولم يعرف من قبله. وإن كان اقتضبها (7) ابتداء، وفاضت عليها لسانه مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب، وأعجب على كلا الامرين، فلقد جاء مجليا (8) والفصحاء ينقطع أنفاسهم على أثره، ويحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له: " جئتك من عند أعيى الناس ": يا ابن اللخناء (9)
(٣٥٩)