يقرء عليك السلام، فقلت: يا بني من هذه ومن عمك؟ فقال: هذه مريم بنت عمران وعمي عيسى عليه السلام، فضمخته بطيب كان معها في الجؤنة من الجنة، ثم أخذته أخرى فأدرجته في ثوب كان معها.
قال أبو طالب: فقلت: لو طهرناه كان أخف عليه - وذلك أن العرب تطهر مواليدها في يوم ولادتها - فقلن: إنه ولد طاهرا مطهرا لأنه لا يذيقه الله الحديد (1) إلا على يدي رجل يبغضه الله تعالى وملائكته والسماوات والأرض والجبال، وهو أشقى الأشقياء، فقلت لهن: من هو؟ قلن: هو عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى، وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد صلى الله عليه وآله قال أبو طالب: فأنا كنت في استماع قولهن إذ أخذه (2) محمد بن عبد الله ابن أخي من يدهن (3) ووضع يده في يده وتكلم معه وسأله عن كل شئ، فخاطب محمد صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام وخاطب علي عليه السلام محمدا صلى الله عليه وآله بأسرار كانت بينهما ثم غابت النسوة فلم أرهن، فقلت في نفسي ليتني كنت أعرف الامرأتين الأخيرتين، وكان علي أعرف (4) مني، فسألته عنهن فقال لي: يا أبت أما الأولى فكانت أمي حواء، وأما الثانية التي ضمختني بالطيب فكانت مريم بنت عمران، وأما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية وأما صاحبة الجؤنة فكانت أم موسى عليه السلام، ثم قال علي عليه السلام: الحق بالمثرم يا أبا طالب وبشره وأخبره بما رأيت فإنك تجده في كهف كذا في موضع كذا وكذا، فلما فرغ من المناظرة مع محمد ابن أخي ومن مناظرتي عاد إلى طفوليته الأولى، فأتيتك، فأخبرتك وشرحت لك القصة بأسرها بما عاينت وشاهدت من ابني علي يا مثرم.
فقال أبو طالب: فلما سمع المثرم ذلك مني بكى بكاء شديدا في ذلك وفكر ساعة ثم سكن وتمطى، ثم غطى رأسه وقال لي: غطني بفضل مدرعتي، فغطيته بفضل مدرعته، فتمدد فإذا هو ميت كما كان، فأقمت عنده ثلاثة أيام أكلمه، فلم يجبني