وأنت بعد الاطلاع على ما سيأتي من أخبار الجانبين في ذلك لا ترتاب في أن ذلك الانكار ليس إلا للجهل الكامل بالآثار، وللتعصب المفرط المنبئ عن خلع الغدار (1)، وقد اعترف قاضي القضاة (2) ببطلان ذلك الانكار لاقرار الثقات من علمائهم بعزله وشهادة الاخبار به.
وقال ابن أبي الحديد (3): روى طائفة عظيمة من المحدثين أنه لم يدفعها إلى أبي بكر، لكن الأظهر الأكثر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي عليه السلام فانتزعها منه. انتهي.
ولم نظفر في شئ من رواياتهم بما يدل على ما حكاه، وكان الأنسب أن يصرح بالكتاب والراوي حتى لا يظن به التعصب والكذب.
وأما حديث النسخ، فأول ما فيه إنا لا نسلم عدم جوازه، وقد جوزه جمهور الأشاعرة وكثير من علماء الأصول، سلمناه لكن لا نسلم أمره صلوات الله عليه أبا بكر بتبليغ الآيات، ولعله أمره بحملها إلى ورود أمر ثان، أو تبليغها لو لم يرد أمر بخلافه، ولم يرد في الروايات أمر صريح منه صلى الله عليه وآله بتبليغ أبي بكر إياها مطلقا، وورود النهي عن التأدية لا يدل على سبق الامر بها ككثير النواهي، ولئن سلمنا ذلك لا نسلم كون الامر مطلقا - وإن لم يذكر الشرط -، لجواز كونه منويا وإن لم تظهر الفائدة.
فإن قيل: فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يرى أن يؤديها، ثم ارتجاعها؟ وهلا دفعها ابتداء إلى (4) علي عليه السلام؟.
قلنا: الفائدة ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومزيته، وأن الرجل الذي نزعت منه السورة لا يصلح له، وقد وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار