الآيات ونجاته كان الأحرى أن يبعث عمه العباس أو عقيلا أو جعفرا أو غيرهم من بني هاشم ممن لم يلتهب في صدور المشركين نائرة حقده لقتل آبائهم وأقاربهم، لامن كانوا ينتهزون الفرصة لقتله والانتقام منه بأي وجه كان، وحديث الشجاعة لا ينفع في هذا المقام، إذ كانت آحاد قريش تجترئ عليه صلوات الله عليه في المعارك والحروب، فكيف إذا دخل وحده بين جم غفير من المشركين؟!.
وأما من جعله من الدافعين الذابين عنه عليه السلام من أهل مكة فهم كانوا أعاظم أعاديه وأكابر معانديه، وأيضا لو كان الغرض ذلك (1) لكان الأنسب أن يجعله أميرا على الحاج كما ذهب إليه قوم من أصحابنا، لا كما زعموه من أنه لم يعزل أبا بكر عن الامارة بل جعله مأمورا بأمره، كما مر.
بل نقول: الأليق بهذا الغرض بعث رجل حقير النفس خامل الذكر في الشجاعة من غير الأقارب حتى لا يهموا بقتله، ولا يعدوا الظفر عليه انتقاما وثأرا لدماء من قتل الرسول صلى الله عليه وآله من عشيرتهم وذوي قراباتهم، مع أنه لم تجر العادة بقتل من بعث إلى قوم لأداء رسالة، لا سيما إذا كان ميتا في الاحياء، غير معروف إلا بالجبن والهرب، وكيف لم يستشعر النبي صلى الله عليه وآله بذلك الذي ذكره حتى أرسل أبا بكر ثم عزله؟! وكيف اجترأ أبو بكر حتى عرض نفسه للهلكة مع شدة جبنه؟! وكيف غفل عنه عمر بن الخطاب - الوزير بزعمهم المشير في عظائم الأمور ودقائقها - مع شدة حبه لأبي بكر؟. ولو كان الباعث ذلك لأفصح عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله أو غيره بعد رجوع أبي بكر أو قبله كما سبق التنبيه على مثله، هذا مع كون تلك التعليلات مخالفة لما صرح به الصادقون، الذين (2) هم أعرف بمراد الرسول صلى الله عليه وآله من ابن أبي الحديد والجبائي ومن اقتفى أثرهما.