بمباينة في الرأي والهوى اختلف، وهذه موجود حسا ومشاهد، وليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف - كما يذهب إليه الحشوية - كما بيناه من أنه لا علم للانسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم، ولو ذكر بكل شئ ما ذكر ذلك، فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه، والله الموفق للصواب انتهى أقول: طرح ظواهر الآيات والأخبار المستفيضة بأمثال تلك الدلائل الضعيفة والوجوه السخيفة جرأة على الله وعلى أئمة الدين، ولو تأملت فيما يدعوهم إلى ذلك من دلائلهم وما يرد عليها من الاعتراضات الواردة لعرفت أن بأمثالها لا يمكن الاجتراء على طرح خبر واحد، فكيف يمكن طرح تلك الأخبار الكثيرة الموافقة لظاهر الآية الكريمة بها وبأمثالها، وسيأتي الأخبار الدالة على تقدم خلق الأرواح على الأجساد في كتاب السماء والعالم، وسنتكلم عليها.
ومنها ما ذكره السيد المرتضى رضي الله عنه في قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك " الآية حيث قال: وقد ظن بعض من لا بصيرة له ولا فطنة عنده أن تأويل هذه الآية:
أن الله سبحانه استخرج من ظهر آدم عليه السلام جميع ذريته - وهم في خلق الذر - فقررهم بمعرفته، وأشهدهم على أنفسهم، وهذا التأويل مع أن العقل يبطله ويحيله مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه لان الله تعالى قال: " وإذ أخذ ربك من بني آدم " ولم يقل:
" من آدم " وقال: من " ظهورهم " ولم يقل: " من ظهوره " وقال: " ذريتهم " ولم يقل:
" ذريته " ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة أنهم كانوا عن هذا غافلين، أو يعتذروا بشرك آبائهم وأنهم نشؤوا على دينهم وسنتهم، وهذا يقتضي أن الآية لم تتناول ولد آدم عليه السلام لصلبه، وأنها إنما تناولت من كان له آباء مشركون وهذا يدل على اختصاصها ببعض ذرية بني آدم، فهذه شهادة الظاهر ببطلان تأويلهم; فأما شهادة العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذرية التي استخرجت من ظهر آدم عليه السلام و خوطبت وقررت من أن تكون كاملة العقول، مستوفية بشروط التكلف، أولا تكون كذلك، فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال وما قرروا به واستشهدوا عليه، لان العاقل