العذاب " (1) ولم يرد أن المذكور يسجد كسجود البشر في الصلاة، وإنما أراد به غير ممتنع من فعل الله فهو كالمطيع لله وهو معبر عنه بالساجد، قال الشاعر:
بجمع تظل البلق في حجراته * ترى الأكم فيها سجدا للحوافر (2) يريد أن الحوافر تذل الأكم بوطيها عليها وقوله تعالى: " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (3) وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام; ولا السماء قالت قولا مسموعا، وإنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها ولم يتعذر عليه صنعتها، فكأنه لما خلقها قال لها وللأرض: ائتيا طوعا أو كرها، فلما تعلقت بقدرته كانتا كالقائل: أتينا طائعين وكمثل قوله تعالى: " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " (4) والله تعالى يجل عن خطاب النار وهي مما لا يعقل ولا يتكلم، وإنما الخبر عن سعتها و أنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين، وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز، ألا ترى إلى قول الشاعر:
وقالت له العينان سمعا وطاعة * وأسبلتا (5) كالدر ما لم يثقب والعينان لم تقولا قولا مسموعا، ولكنه أراد منهما البكاء، فكانت كما أراد من غير تعذر عليه. ومثله قول عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه * وشكى إلي بعبرة وتحمم (6)