في تلك الحال أحياءا ناطقين ولا أرواحا مكلفين، وإنما كانت أشباحهم دالة عليهم حسب ما ذكرناه.
فصل: وقد بشر الله عز وجل بالنبي والأئمة عليهم السلام في الكتب الأولى، فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائه عليهم السلام، وأهل الكتب يقرؤونه، واليهود يعرفونه:
إنه ناجى إبراهيم الخليل عليه السلام في مناجاته: إني قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل، وجعلت منه اثنى عشر عظيما، وكبرتهم جدا جدا، وجعلت منهم شعبا عظيما لامة عظيمة; وأشباه ذلك كثير في كتب الله تعالى الأولى.
فصل: فأما الحديث في إخراج الذرية من صلب آدم عليه السلام على صورة الذر فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه; والصحيح أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر فملأ بهم الأفق، وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور، وعلى بعضهم نورا وظلمة; فلما رآهم آدم عليه السلام عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة، فقال: يا رب ما هؤلاء؟ قال الله عز وجل له: هؤلاء ذريتك - يريد تعريفه كثرتهم، وامتلاء الآفاق بهم، وأن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته، ويبشره بإفضال نسله وكثرتهم - فقال عليه السلام: يا رب مالي أرى على بعضهم نورا لا ظلمة فيه؟ وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور؟ وعلى بعضهم ظلمة ونورا؟ فقال تبارك وتعالى: أما الذين عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذي يطيعوني ولا يعصوني في شئ من أمري فأولئك سكان الجنة، وأما الذين عليهم ظلمة ولا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني، فأما الذين عليهم نور وظلمة فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني فيخلطون أعمالهم السيئة بأعمال حسنة، فهؤلاء أمرهم إلي، إن شئت عذبتهم فبعد لي وإن شئت عفوت عنهم فبفضلي، فأنبأه الله تعالى بما يكون من ولده، وشبههم بالذر الذي أخرجهم من ظهره، وجعله علامة على كثرة ولده. ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره وجعل أجسام ذريته دون أرواحهم، وإنما فعل الله تعالى ذلك ليدل آدم عليه السلام على العاقبة منه، ويظهر له من قدرته وسلطانه وعجائب صنعته، وأعلمه