شيئا لا بالقليل ولا بالكثير، وبهذا الدليل يبطل القول بالتناسخ، فأنا نقول: لو كانت أرواحنا قد حصلت قبل هذه الأجساد في أجساد أخرى لوجب أن نتذكر الآن أنا كنا قبل هذا الجسد في أجساد أخرى، وحيث لم نتذكر ذلك كان القول بالتناسخ باطلا فإذا كان اعتقادنا في إبطال التناسخ ليس إلا على هذا الدليل، وهذا الدليل بعينه قائم في هذه المسألة وجب القول بمقتضاه.
الخامس: أن جميع الخلق الذين خلقهم الله من أولاد آدم عليه السلام عدد عظيم وكثرة كثيرة فالمجموع الحاصل من تلك الذرات تبلغ مبلغا في الحجمية والمقدار وصلب آدم عليه السلام على صغره يبعد أن يتسع لهذا المجموع.
السادس: أن البنية شرط لحصول الحياة والعقل والفهم، إذ لو لم يكن كذلك لم يبعد في كل ذرة من ذرات الهباء أن تكون عاقلا فاهما مصنفا للتصانيف الكثيرة في العلوم الدقيقة، وفتح هذا الباب يقضي إلى التزام الجهالات، وإذا ثبت أن البنية شرط لحصول الحياة فكل واحد من تلك الذرات لا يمكن أن يكون فاهما عاقلا إلا إذا حصلت له قدرة من البنية والجثة، وإذا كان كذلك فمجموع تلك الأشخاص الذين خرجوا إلى الوجود من أول تخليق آدم إلى آخر فناء الدنيا لا تحويهم عرصة الدنيا، فكيف يمكن أن يقال: إنهم بأسرهم حصلوا دفعة واحدة في صلب آدم عليه السلام؟.
السابع: قالوا: هذا الميثاق إما أن يكون قد أخذه الله منهم في ذلك الوقت ليصير حجة عليهم في ذلك الوقت، أو ليصير حجة عليهم عند دخولهم في دار الدنيا، والأول باطل لانعقاد الاجماع على أن بسبب ذلك القدر من الميثاق لا يصيرون مستحقين للثواب والعقاب، والمدح والذم، ولا يجوز أن يكون المطلوب منه أن يصير ذلك حجة عليهم عند دخولهم في دار الدنيا لأنهم لما لم يذكروا ذلك الميثاق في الدنيا فكيف يصير حجة عليهم في التمسك بالايمان؟.
الثامن: قال الكعبي: إن حال أولئك الذرية لا يكون أعلى في الفهم والعلم من حال الأطفال، فلما لم يمكن توجيه التكليف على الطفل فكيف يمكن توجيهه على أولئك الذر؟.