أظهره الله تعالى من الأشباح والصور لآدم أن دله على تعظيمهم وتبجيلهم، (1) وجعل ذلك إجلالا لهم، ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم، ودليلا على أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم ولم يكونوا في تلك الحال صورا مجيبة، ولا أرواحا ناطقة لكنها كانت على مثل صورهم في البشرية، يدل على ما يكونوا عليه في المستقبل في الهيئة، والنور الذي جعله عليهم يدل على نور الدين بهم وضياء الحق بحججهم; وقد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش، وأن آدم عليه السلام لما تاب إلى الله عز وجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فأجابه، وهذا غير منكر في العقول، ولا مضاد للشرع المنقول، وقد رواه الصالحون الثقاة المأمونون، وسلم لروايته طائفة الحق، ولا طريق إلى انكاره، والله ولي التوفيق.
فصل: ومثل ما بشر الله به آدم عليه السلام من تأهيله نبيه صلى الله عليه وآله لما أهله له، و تأهيل أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام لما أهلهم له، وفرض عليه تعظيمهم وإجلالهم كما بشر به في الكتب الأولى من بعثته لنبينا صلى الله عليه وآله فقال في محكم كتابه: " النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليه الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " (2) وقوله تعالى مخبرا عن المسيح عليه السلام: " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " (3) وقوله سبحانه: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " (4) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله، فحصلت البشائر به من الأنبياء وأممهم قبل إخراجه إلى العالم بالوجود، وإنما أراد جل اسمه بذلك إجلاله وإعظامه، وأن يأخذ العهد له على الأنبياء والأمم كلها، فلذلك أظهر لآدم عليه السلام صورة شخصه، وأشخاص أهل بيته عليهم السلام، وأثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم، وبين له عن محلهم عنده ومنزلتهم لديه، ولم يكونوا