فقالوا: ما لك لا تأكل معنا؟.
قال: نزل بي أمر يعوقني عن الأكل والشرب.
قالوا: يا تمليخا قد علمت إنه لا يطيب لنا العيش ولا الطعام ولا الشراب إلا معك.
قال: اخواني، كلوا فإنه أمر لا أقدر أن آكل شيئا معه.
قالوا: يا تمليخا، أخبرنا بعلتك، فإن كنت مغتما من أجل الملك وما نزل به فانا شركاؤك في ذلك، وإن كان لعلة مرض فانا علماء بالطب، وإن كان أمرا دون ذلك فلا ينبغي لك ان تغتم ولا ان تغمنا، فأخبرنا بأمرك فرب أمر هو شديد على صاحبه عسر عليه وعند غيره كشف له وفرج منه.
فقال: اخواني، ان الذي منعني من الطعام فكرة فكرت ليلتي هذه فيها.
فقالوا: أخبرنا.
فقال: اخواني، فكرت في الهنا (دقيوس) فقلت: لو كان (دقيوس) الها كما زعم ما كان له ان يغتم ولا ان يفرح ولا ان يمسه هم. فانا أراه كأحدنا يأكل ويشرب ويتغوط ويقوم ويقعد ويركب ويحتاج إلى الأهل وينام، فكيف يكون دقيوس الها؟!.
وفكرت في نفسي فقلت: من أخرجني جنينا ومن خلقني في بطن أمي من ماء ابيض سويا؟ ومن رباني ومن غذاني إذ كنت طفلا رضيعا ثم فطيما ثم أمرد ثم إلى الشباب ثم أصير كهلا وشيخا ثم الموت لا بد منه؟
ثم فكرت في نفسي: من سوى فوقنا سقفا مرفوعا بلا عمد هواه ولا علاقة ولا متكأ؟ ومن زينها بالكواكب الطالعات؟ ومن اجرى الشمس والقمر؟ ومن يأتي بالليل المظلم والنهار المبصر؟ ومن يأتي بالسحاب فيسقى البلاد والعباد منه؟ ومن ينبت الحب في الثرى؟ هو الذي خلقنا وخلقه.
وقلت: ما (دقيوس) إلا بشر مثلنا وخلق من خلقه وعبد من عبيده.
ملكه اله السماوات وأعطاه النعمة السابغة والعمر الطويل والجند الكثير والمال المزيد فكفر به وعصاه وطغى، وادعى الربوبية ودعى الناس إلى نفسه.