فقاموا وخرجوا من الغار، فإذا الماء قد غار والأشجار قد جفت.
فقال: اخواني، كم لبثنا في هذا الكهف؟ قالوا: يوما أو بعض يوم!
قال: ربكم أعلم بما لبثتم (17) إن في أمرنا لعجبا! في ليلة يغور عين مثل هذا العين الغزيرة وتجف مثل هذه الأشجار المثمرة ولا عجب من أمر الله.
وقد مسهم الجوع، وكان تمليخا قد باع ثمرا له حين خرج من المدينة وصره في ثوبه.
فقال: من يذهب المدينة ويشترى لنا طعاما؟ فجعل كل واحد منهم يخاف من دقيوس.
فقال تمليخا: اخواني، لا أحد اجترى على ذلك إلا أنا، ولكن يا راعى انزع ثيابك حتى ألبسها لعلهم ينكروني، فنزع الراعي ثيابه فلبسها تمليخا.
فجعل يمر بمواضع لا يعرفها وعمران لم يرها وخرابات لم يعهدها. فقال في نفسه: (انى غلطت الطريق)! فسأل رجلا نحو المدينة التي يسمى (افسوس).
فقال: (افسوس) امامك.
قال: فما اسم ملكها. قال: عبد الرحمان.
فازداد عجبا وجعل يمسح عينيه ويقول: لعلى نائم. ثم سار حتى اتى المدينة وإذا بابها على خلاف ما كان، وإذا على الباب علمان منصوبان ابيض واسود، مكتوب عليهما: (لا اله إلا الله، عيسى رسول الله). فازداد عجبا ودخل المدينة فرأى الناس يقرؤون الإنجيل.
فدنى من خباز فقال له: يا خباز، ما اسم مدينتكم هذه؟
قال: افسوس.
فقال: ما اسم ملككم؟ قال: عبد الرحمان.