وقد علمنا أنه ليس بين هذين الشعرين ما بين المعتاد والخارق للعادة، فإذا ثبت ذلك وكنا (1) لا نفرق بين بعض قصار سور المفصل، وبين أفصح شعر العرب، ولا يظهر لنا التفاوت بين الكلامين الظهور الذي قدمناه فلم حصل الفرق القليل، ولم يحصل الكثير؟
ولم ارتفع (2) اللبس مع التقارب ولم يرتفع مع التفاوت؟
فصل والاعتراضات على ذلك كثيرة منها:
قولهم: إن الفرق بين أفصح كلام العرب، وبين القرآن موقوف على متقدمي الفصحاء الذين تحدوا به.
والجواب: أن ذلك لو وقف عليهم مع التفاوت العظيم، لوقف ما دونه أيضا عليهم، وقد علمنا خلافه.
فأما من ينكر الفرق بين أشعار الجاهلية والمحدثين، فان أشار بذلك إلى عوام الناس والأعاجم فلا ينكر ذلك، وإن أشار إلى الذين عرفوا الفصاحة فإنه لا يخفى عليهم.
فان قالوا: الصرف عن ماذا وقع؟ قلنا: الصرف وقع عن أن يأتوا بكلام يساوي أو يقارب القرآن في فصاحته، وطريقة نظمه، بأن سلب كل من رام المعارضة التي يتأتى بها ذلك.
فان العلوم التي يتمكن بها من ذلك ضرورية من فعل الله تعالى بمجرى العادة، وعلى هذا لو عارضوه بشعر منظوم، لم يكونوا معارضين.
يدل عليه أنه صلى الله عليه وآله أطلق التحدي وأرسله، فوجب أن يكون إنما أطلق تعويلا على ما تعارفوه في تحدي بعضهم بعضا، فإنهم اعتادوا ذلك بالفصاحة، وطريقة النظم