ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون وإن كيده متين بالأمل والرجاء، حتى توالدوا في المعصية، ودانوا بالجور والكتاب لم يضرب عن شيء منه صفحا، ضلالا تائهين، قد دانوا بغير دين الله عز وجل وأدانوا لغير الله.
مساجدهم في ذل الزمان عامرة من الضلالة، خربة من الهدى] قد بدل فيها من الهدى [فقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليفته، ومن عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود، فحضور مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم الا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضلالة قد بدلت سنة الله وتعديت حدوده ولا يدعون إلى الهدى ولا يقسمون الفيء ولا يوفون بذمة، يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا قد أتو الله بالافتراء والجحود واستغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة وقد بعث الله عز وجل إليكم رسولا من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (صلى الله عليه وآله) وأنزل عليه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قرآنا عربيا غير ذي عوج لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فلا يلهينكم الأمل ولا يطولن عليكم الأجل، فانما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم وتغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود الذي تردت عنه المعذرة وترفع عنه التوبة وتحل معه القارعة والنقمة وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد وفصل لكم القول وعلمكم السنة وشرح لكم المناهج ليزيح العلة وحث على الذكر ودل على النجاة وإنه من انتصح الله واتخذ قوله دليلا هداه للتي هي أقوم ووفقه للرشاد وسدده ويسره للحسنى، فان جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مغرور فاحترسوا من الله عز وجل بكثرة الذكر واخشوا منه بالتقى وتقربوا إليه بالطاعة فانه قريب مجيب قال الله عز وجل: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) فاستجيبوا لله وآمنوا به وعظموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله ان يتعظم فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له وعز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة ولا يضلون بعد الهدى، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب والبارىء من ذي السقم.
واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولم تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا