(فأعلمهم فضل الوصي) بجعل علم النبي فيه ووصفه بما ذكر (توقد من شجرة مباركة) قرىء توقد بالتاء الفوقانية وبالياء التحتانية والبناء للمفعول فيهما واسناده على الأول إلى الزجاجة وعلى الثاني إلى المصباح وتنكير الشجرة ووصفها بالمباركة الدالة على كثرة النفع وتولد الأنبياء والأوصياء منها للتعظيم (وهو قول الله عز وجل) هو إشارة إلى كون إبراهيم (عليه السلام) شجرة مباركة أو كون سيد الأوصياء من تلك الشجرة (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) أي محمود في كل فعاله مجيد بالاحسان وإفاضة الخيرات إلى عباده وقد وقع هذا الخطاب الشريف عند البشارة بإسحاق وقد تولد من إسحاق أنبياء وأوصياء منهم خاتم الأنبياء وأفضل الأوصياء ولا بركة أعظم منه (وهو قول الله ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) لما أوجب الله تعالى قبل هذا القول متصلا به طاعته وطاعة رسوله وبين أنها جالبة لمحبته تعالى حيث قال (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) أشار بهذا القول الشريف إلى وجوب طاعة من اصطفاه وخصه بالكمالات الجسمانية والملكات الروحانية وبين مواضعه دون ما اختاره الخلق وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما ودخل فيهم نبينا وأولاده الطاهرون (عليهم السلام) وآل عمران موسى وهارون وينتهى نسبهما إلى لاوى بن يعقوب أو عيسى ومريم بنت عمران ومن أجدادهما داود وسليمان وينتهى نسبهما إلى يهودا بن يعقوب قيل: كان بين العمرانين الف وثمانمائة سنة (ذرية بعضها من بعض) قال القاضي هذا حال أو بدل عن الأولين أو منهما ومن نوح بمعنى أنهم ذرية واحدة متشعبة بعضها من بعض، وقيل: بعضها من بعض في الدين (والله سميع عليم) سميع بأقوالهم عليم بأعمالهم فيصطفى من كان مستقيم القول والعمل كذا ذكره القاضي وغيره.
أقول: إذا كانت الرسالة والخلافة والولاية من لدن آدم (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء باصطفائه تعالى فكيف يجوز تخلف ذلك بعده وصيرورتها باختيار الخلق والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل (لا شرقية ولا غربية) يقول لستم بيهود فتضلوا قبل المغرب ولا نصارى فتضلوا قبل المشرق) الفاء الموضعين تفريع على المنفي والظاهر أن هذه الجملة صفة لشجرة لأن اتصاف تلك الشجرة بهذا السلب مستلزم لاتصافهم به كما أشار إليه بقوله (وأنتم على ملة إبراهيم (عليه السلام)) وهو لم يكن يهوديا ولا نصرانيا كيف (وقد قال الله عز وجل ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا) وهذا الكلام تحقيق وتقرير للسلب المذكور (ولكن كان حنيفا) مائلا عن الباطل إلى الحق (مسلما) منقادا لله تعالى في جميع الأمور (وما كان من المشركين) كاليهود والنصارى حيث أشركوا بالله تعالى باتخاذ عزير وعيسى الهين قال القاضي: تنازعت اليهود والنصارى في إبراهيم وزعم كل فريق أنه منهم فنزلت قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم) وزعم كل فريق انه منهم