فتغيرت الحال بعض التغيير فادع الله عز وجل أن يرد ذلك إلينا، فقال: أي شيء تريدون؟ تكونون ملوكا؟ أيسرك أن تكون مثل طاهر وهرثمة وأنك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت: لا والله ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وأني على خلاف ما أنا عليه، قال: فقال: فمن أيسر منكم فليشكر الله، إن الله عز وجل يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم) وقال سبحانه وتعالى: (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) وأحسنوا الظن بالله فإن أبا عبد الله (عليه السلام) كان يقول: من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه به، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وتنعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.
قال: ثم قال: ما فعل ابن قياما؟ قال: قلت: والله إنه ليلقانه فيحسن اللقاء فقال: وأي شيء يمنعه من ذلك، ثم تلا هذه الآية (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم) قال: ثم قال:
تدري لأي شيء تحير ابن قياما؟ قال: قلت: لا، قال: إنه تبع أبا الحسن (عليه السلام) فأتاه عن يمينه وعن شماله وهو يريد مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فالتفت إليه أبو الحسن (عليه السلام) فقال ما تريد حيرك الله قال: ثم قال:
أرأيت لو رجع إليهم موسى فقالوا: لو نصبته لنا فاتبعناه واتقصصنا أثره، أهم كانوا أصوب قولا أو من قال: (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى)؟ قال: قلت: لابل من قال: لو نصبته لنا فاتبعناه واقتصصنا أثره، قال: فقال: من ههنا اتى ابن قياما ومن قال بقوله.
قال: ثم ذكر ابن السراج فقال: إنه قد أقر بموت أبي الحسن (عليه السلام) وذلك أنه أوصى عند موته فقال: كل ما خلفت من شيء حتى قميصي هذا الذي في عنقي لورثة أبي الحسن (عليه السلام) ولم يقل: هو لأبي الحسن (عليه السلام) وهذا إقرار ولكن أي شيء ينفعه من ذلك ومما قال ثم أمسك.
* الشرح:
قوله: (أيسر أن تكون مثل طاهر وهر ثمة) هما من أمراء المأمون وفي غاية العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) (قال: فمن أيسر منكم)؟ اليسر: ليس بالمال والجاه فقط بل هو في الحقيقة بصحة المذهب وكمال الإيمان وبهما يتحقق غناء الأبد ويضدهما يتحقق فقره، ومن ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «الغناء والفقر يظهران بعد العرض» (إن الله عز وجل يقول: لئن شكرتم لأزيدنكم) تعليل للأمر بالشكر على نعمة الإيمان وغيرها من النعماء لأن الشكر يوجب الزيادة في كليهما بحكم الوعد الصادق (وقال سبحانه وتعالى اعملوا آل داود شكرا) أي يا داود، وهذا تعليل آخر (وقليل من عبادي الشكور) أي كثير الشكر لأن الشكر صرف العبد جميع جوارحه فيما خلقت لأجله دائما أو غالبا والشكور بهذا المعنى نادر (وأحسنوا الظن بالله) مر تفسير حسن الظن في هذا الكتاب إجمالا وفي