من الشام وكان إذا رأى عثمان قال: «يوم يحمى عليها جباههم وجنوبهم - الآية» فضربه بالسوط أدبا لذلك، وللامام أن يؤدب من أساء إليه وإن أدى الأدب إلى هلاكه ثم قال له: إما أن تكف وإما أن تخرج حيث شئت فخرج إلى الربذة هذا كلامه.
أقول يرد عليه المثل المشهور ثبت العرش ثم انقش لوجوب البراءة من امام أنكره مثل أبي ذر (رحمه الله) وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصفه ومنقبته ما هو مذكور في كتبهم، ومنه أنه قال: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر» منه أنه قال (صلى الله عليه وآله) «إن الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي وأبو ذر والمقداد وسلمان» نقله القرطبي في شرح فضائل سلمان (رضي الله عنه)، وأما قوله إن عثمان لم يخرجه بل خيره بين الكف عما يقول وبين الخروج فمناف لما قال بعض علمائهم أن أبا ذر كان يغلظ القول في إنكار ما يراه منكرا وفي حق عثمان يقول لم يبق أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ما عهد وينفر بهذا القول وأمثاله الناس عنه فارجه لذلك وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (فأرحلوك عن الفناء) يدل عليه. فناء الدار بالكسر: ما اتسع من أمامها ولعل المراد به فناء الروضة المقدسة وقوله (عليه السلام) (إنما غضبت لله) دليل على أن إنكاره بما كان ينكره إنما يقصد به وجه الله تعالى وقوله (أن القوم خافوك على دنياهم) يعني خافوك على أمر الخلافة بتنفيرك عنهم (وخفتهم على دينك) بترك موافقتهم والمماشاة معهم وأخذ العطاء منهم وبردك إلى الارتداد كما ارتدوا وقوله (ولو كانت السماوات والأرض إلى آخره) بشارة له بخلاصه مما هو فيه من ضيق الحال بسبب الإخراج وشرطه في ذلك تقوى الله إشارة إلى قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) - الآية.
ونقل عن ابن عباس أنه قال قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ومن يتق الله يجعل له مخرجا» قال: من شبهات الدنيا وغمرات الموت وشدائد يوم القيامة ومن البين عقلا ونقلا أن التقوى عند استشعارها سبب قاطع لطمع المتقي من الدنيا وقنياتها وهو مستلزم لراحته من مجاذبة النفس الأمارة بالسوء والوقوع في شبهات الدنيا وهي في استلزامه الخلاص من غمرات الموت وشدايد يوم القيامة أظهر.
وكنى (عليه السلام) بالغاية وهي رتق السماوات والأرض على العبد عن غاية الشدة مبالغة لبيان فضل التقوى ثم أمره بالاستيناس بالحق وحده والاستيحاش من الباطل وحده بقوله (فلا يؤنسك إلا الحق ولا يوحشك إلا الباطل) «لا» إما للنفي أو للمنهي، والوحشة: الهم والخلوة والخوف ضد الانس وفي الكنز: «وحش رميدن ودورى جستن وحشت خالى واندوه ورميدگى» وقول عقيل من الجزع في قوله: (واعلم أن استعفاءك البلاء من الجزع واستبطاءك العافية من الإياس) خبر أن رغبة في الصبر على البلاء وتلقية بالقبول وتوقع حضور العافية في كل آن حيث عد استعفاء الأول وكراهته جزعا واستبطاء الثاني يأسا، ثم أمره بترك اليأس والجزع بقوله (فدع الإياس والجزع) واصبر على البلاء والعافية