قوله: (قال: نزلت في حمزة وعلي وجعفر والعباس وشيبة أنهم فخروا بالسقاية والحجامة) ضمير أنهم راجع إلى العباس ومن تبعه وكانت له السقاية وإلى شبية ومن تبعد وكانت له الحجامة ومفتاح الكعبة (فأنزل الله عز ذكره أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) تمام الآية «وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم» السقاية والعمارة مصدرا أسقى وعمر فلا يشبهان بأهل لجنة بل لا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن، ويؤيد الأول قراءة من قرأ «سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام» والمعنى: إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة الفاسدة بالمؤمنين وأعمالهم الصالحة المثبتة، وسبب نزولها ما ذكر في الحديث وليس للعامة أن يقولوا هذه الآية نزلت في ثلاثة رجال، قال أحدهم: سقاية الحاج أفضل، وقال ثانيهم: عمارة المسجد أفضل، وقال ثالثهم: الجهاد بناء على ما رواه مسلم عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الاسلام إلا أني أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه فأنزل الله عز وجل (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله) الآية، وإنما قلنا ليس لهم أن يقولوا ذلك لأنه قال عياض وهو من أعاظم علمائهم: ما يقتضية قول نعمان أن الآية نزلت عند اختلافهم مشكل لأنها إنما نزلت قبل ذلك مبطلة لمن افتخر من المشركين بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وافتخر علي (رضي الله عنه) بالإيمان والجهاد فنزلت الآية مصدقة لعلي ومكذبة لهما ويدل على أنها إنما نزلت في المشركين ختمها بقوله تعالى (والله لا يهدي القوم الظالمين) وأيضا فإن الثلاثة الذين هم في الحديث لم تختلفوا في أن السقاية أفضل من الإيمان والجهاد وإنما اختلفوا أي الاعمال أفضل بعد الإيمان وإذا أشكل أنها نزلت عند اختلافهم فيحل الإشكال بأن يكون بعض الرواة تسامح في قوله «فأنزل الله.
الآية» وإنما الواقع أنه (عليه السلام) قرأ على عمر الآية حين سأله مستدلا بها على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك فظن الراوي أنها نزلت إنتهى كلامه بعبارته.
قيل: ما فهم من الآية تفضيل الجهاد والرد بها على المشركين فإنها إنما دلت على نفي المساواة بين أمرين وهو لا يدل على تعيين الأرجح منهما ولذا تجده يدل على تعيين الأرجح من الأمرين بعد نفي المساواة بينهما كما في قوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب