الداء.
ومثله رواه مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجر بها كلها؟ «قال: فمن أعدى الأول» قال صاحب إكمال الاكمال في شرحه: انقدح في نفس الأعرابي شبهة العدوي والسراية يعني اعتقد أن الإبل تجرب أن دخلها البعير الجرب فأزالها (عليه السلام) بقوله «فمن أعدى الأول» يعني أن جربت الإبل لهذا الداخل فالداخل أن جرب لأنه عدي عليه جرب بعير آخر تسلسل لا إلى نهاية والتسلسل باطل وإن كان لأن الله أجر به فكذلك تلك الإبل وهذا النوع من الاستدلال الذي أشار إليه (عليه السلام) هو عمدة المتكلمين في الرد على القائلين بالقدم حيث قالوا: الحوادث لا أول لها لان كل ولد مسبوق بوالد وكل زرع مسبوق ببذر وحركة الفلك اليوم مسبوقة بحركته أمس وهكذا إلى ما لا نهاية له، ورد عليهم المتكلمون بأنه يؤدي إلى التسلسل، كما أشار إليه في الحديث.
وهم أجابوا عن ذلك بأن التسلسل المحال إنما هو فيما بين آحاد ترتب طبيعي كالعلل والمعلولات فعندهم أن معلولا عن علة لا إلى نهاية محال وأما التسلسل في الأمثلة المذكورة فليس بمحال وقام البرهان عند أهل الحق أنه لا فرق في استحالته بين الأمرين ولا يمكن أن يحتج بعدم الفرق بحديث فمن أعدى لأنه من باب العلة والمعلول الذي يوافقونا في استحالته لأن الأعرابي جعل جرب الإبل معلولا لجرب الداخل وانما قال: فمن أعدى دون ما أعدى وهو الظاهر ليجاب بقول الله وذكر أعدى للمشابهة والازدواج كما في قوله كما تدين تدان انتهى، وقال الطيبي العدوي تجاوز العلة عن صاحبها إلى غيره يقال: عدي فلانا في علته، والأطباء يجعلون ذلك في سبع علل في الجذام والجرب والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية واختلف في قوله (عليه السلام) «لا عدوى» فحمله الأكثر على أن المراد به إبطاله في نفسي كما هو الظاهر، وقيل: ليس المراد به إبطاله، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فر من المجذوم فرارك من الأسد» وإنما المراد به نفي ما يعتقدونه من أن تلك العلل المعدية مؤثرة بنفسها مستقلة في التأثير فأعلمهم أن الأمر ليس كذلك وإنما هو بمشيئة الله تعالى وفعله وبين بقوله «فر من المجذوم فرارك من الأسد» أن مداواة ذي العلة أحد أسباب العلة فليتق كما يتقي الجدار المائل وقد يرجح هذا القول من حيث أنه يقع به الجمع بين الأحاديث.
وأجاب الأولون عن حديث الفرار: بأنه أمر بالفرار من المجذوم خوف أن تقع العلة فيعتقد أن العدوي حق، ثم قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا عدوى» في النهاية العدوي: اسم من الأعداء كالرعوى والبقوى من الإرعاء والإبقاء (ولا طيره) تطيرت من الشيء وبالشيء تشأمت والاسم منه الطيرة مثل الغيبة وهو ما يتشأم به من الفال الردي كذا في الصحاح، وقيل الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء:
مصدر وقد تسكن الياء والناس كانوا يتشأمون ويتطيرون في السوانح من الطير والذئب والظباء