فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشي بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح (عليه السلام)، فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح (عليه السلام) ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ولم يتوبوا ولم يرجعوا. فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل (عليه السلام) فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلا أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم.
* الشرح:
قوله: (نتبعه) والاستفهام للإنكار والتوبيخ (انا إذا لفي ضلال وسعر) السعر: بالضم الجنون كالسعر.
(ءألقى الذكر عليه من بيننا) ظنوا أن البشرية مانعة للرسالة وإلا لجاز اتصاف كل أحد بها ولم يعلموا أنها متوقفة على صفات لا توجد في كل أحد والذكر هو الكتاب أو الوحي (بل هو كذاب أشر) الأشر: البطر، وهو الكبر وقيل أشد البطر أرادوا أن الكبر وحب الدنيا والرئاسة والفرح بها وبالرفع علينا حمله على المبالغة في الكذب وادعاء الرسالة (وكانت الصخرة يعظمونها) قيل كانت تلك الصخرة مفردة من ناحية الجبل وكانوا يسمونها الكاينة (إن الله قد جعل لهذه الناقة شرب يوم) الشرب بالكسر: نصيب من الماء قيل إذا كان يوم شربها وضع رأسها في البئر ولم يرفعه حتى شرب كل ماء فيها (وقالوا اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها) قيل كانت إذا وقع الحر رعت في ظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه، وإذا وقع البرد رعت في بطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشق ذلك عليهم فدعاهم إلى عقرها وعلى هذا قولهم (لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ولنا شرب يوم)، علة أخرى باعثة لهم على قتلها (ونجعل له جعلا) في النهاية الجعل الاسم بالضم والمصدر بالفتح، يقال: جعلت لك كذا جعلا وجعلا وهو: الأجرة على الشيء فعلا وقولا (فجاءهم رجل أحمر أشقر) الأشقر من الناس: من يعلوا بياضه حمرته فتكون حمرة صافية وبشرته مايلة إلى البياض (يقال له قدار شقي من الأشقياء) في القاموس قدار بضم القاف وتخفيف الدال: ابن سالف عاقر الناقة وقيل: قدار بن سالف الذي يقال له أحمر عاقر ناقة صالح (عليه السلام) وقال عياض: إنه كان مغرورا بالشهوات عرما جريئا في الفسوق حاذقا في الحيل والعصيان (هرب فصيلها فصعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرات) رغا البعير صوت وضج، قيل: كان فصيلها شبيها بها في العظم وقال بعض