بما هو مطلوب منه وجوبا وندبا مع غاية خضوع القلب وخشوعه اللازم لكمال الخوف وإدراك الهيبة والعظمة الإلهية، وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه المثابة وفوق ذلك، وبعده سيد العابدين على ابن الحسين (عليهم السلام) كان ذلك لتفرغ قلبه الطاهر عن أشغال الدنيا وصرف همته إلى الطاعات وفعل الخيرات، وفيه تنبيه للغافلين وإيقاظ لهم عن نوم الغفلات، وترغيب في فعل العبادات.
* الأصل:
173 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان عن الحسن الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن ولي علي (عليه السلام) لا يأكل إلا الحلال لأن صاحبه كان كذلك وإن ولي عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما لان صاحبه كذلك، قال: ثم عاد إلى ذكر علي (عليه السلام) فقال: أما والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما، قليلا ولا كثيرا حتى فارقها ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا بأشدهما على بدنه، ولا نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) شديدة قط إلا وجهه فيها ثقة به، ولا أطاق أحد من هذه الامة عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعده غيره ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة والنار، ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله كل ذلك تحفي فيه يداه وتعرق جبينه التماس وجه الله عز وجل والخلاص من النار وما كان قوته الخل والزيت وحلواه التمر إذا وجده وملبوسه الكرابيس فإذا فضل عن ثيابه شيء دعا بالجلم فجزه.
* الشرح:
قوله: (إن ولي علي (عليه السلام) لا يأكل إلا الحلال. اه) دل على أن آكل الحرام ليس بولي علي بل هو ولي لعثمان، لأن من اقتفى أثر أحد فهو منه) ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا أخذ بأشدهما (1) على بدنه) لطلب الأفضل كما روي «أفضل الأعمال أحمزها» ولمخالفة النفس وهواها لأن النفس مائلة إلى الأسهل، واحترز بقوله كلاهما طاعة عما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يجوز تعذيب النفس بغير طاعة (ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة والنار) شبه رؤيته القلبية البالغة مرتبة عين اليقين برؤيته العينية في الجلاء وانكشاف الخفاء باعتبار أن أجلى المعلومات هو المحسوسات وإليه أشار (عليه السلام) بقوله «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» إذ يقينه لما كان في نهاية الكمال لا يتصور فيه الزيادة والنقصان، فهو قبل المشاهدة العينية كهو بعدها، ومن البين أن من بلغ هذه المرتبة لا يترك شيئا من الخيرات، (ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله كل ذلك تحفي فيه يداه) الحفارقة: