شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ١٥٤
قوله (ما قاب قوسين أو أدنى) كأنه سؤال عن قوله أو أدنى ولذلك بينه (عليه السلام) وقال ما بين سيتها إلى رأسها. سية القوس على وزن عدة بتعويض الهاء عن الواو المحذوفة ما عطف من طرفيها والمشهور فيها عدم الهمزة، ومنهم من يهمزها ويقول سئة.
قوله (قال كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق) لعل المراد بالبين البين المعنوي إذ لا مكان له وبالحجاب الحجب النورية الدالة على جلاله وكماله وعظمته المانعة من إدراكها وإدراك ما وراءها وهي الأنوار التي لو كشفت لأحرقت من أبصرها وأهلكت من نظرها كما خر موسى صعقا وتقطع الجبل دكاء عند تجليها، وخلفها أنوار لم يقدر على مشاهدة شيء منها إلا خاتم النبيين لقوة قلبه وكمال قربه ونظر إليها من الحجاب ما شاء الله، ونسبتها إلى نور الحجاب كنسبة نور الشمس إلى نور الكواكب، والمراد بقوله «يتلألأ يخفق» أنه يشرق ويستنير ويلمع كما يلمع البرق ويضطرب ويتحرك، هذا الذي ذكرت من باب الاحتمال (1) والله اعلم بحقيقة ذلك.

(1) قوله «هذا الذي ذكرت من باب الاحتمال» هذا عذره في التأويل. والرواية وإن كانت ضعيفة كما قلنا لكن ذكر الحجاب ونور الحجب وارد في أحاديث كثيرة فتأويله بما يوافق اصول المذهب واجب ومن اصولنا عدم تجسم الواجب تعالى وعدم وجود حجاب بينه وبين خلقه حجابا جسمانيا، فما ورد من ذلك لابد أن يكون المراد به أمرا معنويا لكيلا ينافي اصولنا الثابتة بالعقل والنقل وكما يجب تأويل الحجاب يجب تأويل النور أيضا لأن النور المحسوس كالأجسام مرئي متحيز ومتحرك، جل جناب الحق أن يكون بصفته وإذا كان الحجاب أمرا معنويا مجردا كان النور كذلك وانما يعبر عن الشيء بأمر يتمثل به إن تمثل كما يتمثل العلم في صوره البن والملك في صورة إنسان كدحية الكلبي وتمثل بشرا سويا لمريم (عليها السلام)، وإنما تردد الشارح وتشكك لئلا يتوهم الغبي أن مرجع ذلك إلى إنكار المعراج بشبهة أن إدراك الحجاب المعنوي أو مشاهدة رفعة لا يتوقف على صعوده إلى السماوات بل يمكن تمثل جميع ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) فيشاهدها وهو في الأرض أيضا كما كان يرى الجنة والنار والملائكة وساير ما قص علينا رؤيته ليلة المعراج في غير تلك الليلة وهو في بيته أو في المسجد أو غير ذلك.
والحق أن رؤية الامور الغيبية بل جميع ما روى انه (صلى الله عليه وآله) رآه ليلة المعراج وإن كانت ممكنة وهو على الأرض لكن في الاعتقاد بصعوده إلى السماوات حكمة ومصلحة وفي اراءتها إياه تلك الليلة بالخصوص سرا كان هو أعلم بها وليس علينا إلا الإذعان والتصديق وان لم نعلم سره ونعلم أن غير النبي (صلى الله عليه وآله) لو عرج إلى الكرات السماوية لم ير هناك أرواح الأنبياء ولا الجنة ولا النار ولا الملائكة وسدرة المنتهى والحجب وأنوارها كما لا نرى عذاب القبر ولا نسمع أصوات منكر ونكير في القبر وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يراها وهو في الأرض، وقد روى أنه ليس منا من لم يؤمن بهذة الأربعة: سؤال القبر والمعراج وخلق الجنة والنار والشفاعة. وجميع ذلك من باب واحد.
ولم يعرج به (صلى الله عليه وآله) إلى السماوات ليريه جبال القمر وترع المريخ وجو الزهرة إذ لم ينقل لنا من ذلك شيئا والشبهة في باب المعراج على مذهب القدماء في السماوات سهل الاندفاع لأن الخرق والالتيام عندهم غير جائز على محدد الجهات فقط وهو الفلك التاسع، وأما ساير الأفلاك فمستغنى عنها في التحديد ولا يستلزم المعراج خرق الفلك التاسع، وأما عند أهل زماننا من نفي الفلك وإنكار السماوات فشبهتهم غير قابلة للاندفاع لمن اعتقد مثل اعتقادهم والروايات متواترة في أنه (صلى الله عليه وآله) قد جاوز سبع سماوات ورأى في كل سماء نبيا من الأنبياء وأمورا من تلك العوالم مذكورة في محالها، وإذ لا سماء عند هؤلاء وليس إلا فضاء خال غير متناه منبثة فيه كواكب غير متناهية العدد فلا يستطيعون التخلص من الشبهة إلا بتأويل أبعد في التكلف من جوابات القدماء عن شبهة الخرق والالتيام، فما أشد حماقة من يدعي أن بإنكار السماوات يرتفع الشبهة عن المعراج، وما أجهل من يرغم أن اختلاف الناس في المعراج الجسماني كان لا ستلزمه الخرق في الأفلاك مع أن منكري الجسماني على ما نقل المفسرون ومنهم أبو الفتوح الرازي (رحمه الله) جماعة من حشوية أهل الحديث اعتمادا على ما روى أنه كان رؤيا صالحة ومن المنكرين الحسن البصري وكان بعيدا من أن يعتمد على قول الفلاسفة بل من أن يعلم مذهبهم في الأفلاك وكذلك الحشوية، وقد تردد محمد بن إسحاق صاحب السيرة في ذلك حيث إنه نقل اختلاف الناس في كون المعراج جسمانيا أو روحانيا ثم قال: الله أعلم أي ذلك كان، ومحمد بن إسحاق كان معاصرا للباقر (عليه السلام) ولم يكن في ذلك العصر بحث بين علماء الإسلام عن الفلك وانخراقه.
وحل جميع ذلك إنا متعبدون بما نقل في ذلك ونفوض علمه إلى أهله وليس في هذا الكتاب تفصيل للمعراج حتى نتكلم فيه أزيد من ذلك. (ش).
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب 3
2 باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟ 14
3 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام 22
4 باب أن الأرض كلها للامام (عليه السلام) 34
5 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر 43
6 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية 51
7 باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية 128
8 باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم 137
9 باب النهي عن الإشراف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) 194
10 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه 196
11 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) 213
12 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما 226
13 باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام) 231
14 باب مولد علي بن الحسين (عليهما السلام) 236
15 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام 240
16 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام 245
17 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام 252
18 باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام 273
19 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام 284
20 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام 296
21 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام 312
22 باب مولد الصاحب (عليه السلام) 335
23 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) 357
24 باب في ذا قيل في الرجل شيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فهو الذي قيل 383
25 باب أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه (عليهم السلام) 384
26 باب صلة الإمام (عليه السلام) 386
27 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه 389
28 فهرس الآيات 417