قوله (ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك) سياق الكلام سابقا ولاحقا دل على أن الأمر عبارة عن نصب الوصي وفراقه منه سلب اختياره عنه وجزعه وهو بالتحريك نقيض الصبر والخوف والحزن على فراقه منه لأجل أنه أحب جعله في ابنه القاسم ثم هذا الجزع كناية عن مجرد فوات محبوبه، وإلا فهو (عليه السلام) كان منزها عن الحزن وعدم الصبر في وقوع محبوب الله تعالى وعدم وقوع محبوبه، ويحتمل أن يراد بالأمر الإمامة وجزعه على فراقها منه لعلمه بأنه سيقع الاختلاف بين بنيه بل بين شيعته أيضا لوقف كثير منهم فيه وإنكارهم خلافة ابنه علي (عليه السلام) والله أعلم.
قوله (فهو مني وأنا منه) أشار به إلى تماثلهما في الذات والصفات والنورية والمنزلة وفي جميع الجهات بحيث لو نظر إليهما ناظر يمكن له أن يقول: هذا من ذاك وذاك من هذا وهذه النسبة واقعة بينه وبين جميع الأئمة، ومفهوم اللقب لا يفيد الحصر.
قوله (وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها) يعني إن سألك شيعتي وأهل ولايتي والمستخبرين عن الخليفة بعدي فاشهد بهذه الوصية وبخلافة علي بعدي. وإنما أمره ههنا بالشهادة المفيدة للقطع وفي السابق بعدم الإخبار رعاية للمناسبة فإن المفيد ههنا هو الشهادة والمضر في السابق هو مجرد الإخبار وإن لم يبلغ حد الشهادة ثم استشهد لهما بقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فإنه دل بحسب المنطوق على الثاني وبحسب المفهوم على الأول واستشهد للثاني بقوله تعالى (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) فإنه صريح في وجوب أداء الشهادة وفي أن من كتمها فهو ظالم لنفسه ولمن يفوت حقه ظلما شديدا.
قوله (فأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)) ليس طلب تعيين الوصي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدما عينه علي (عليه السلام) للشك في قوله بل لتأكيد أمر الوصي والتشرف بخطابه (صلى الله عليه وآله) كما تشرف بخطاب علي (عليه السلام).
قوله (فقال هو الذي ينظر بنور الله) لما كانت الرئاسة بالخلافة متوقفة على أمور أشار إليها أولا ثم عين المتصف بها فمن تلك الأمور أن ينظر في الأشياء وأمور الرعية بنور الله تعالى وعلمه لا بالرأي والتخمين، ومنها أن يسمع ما يسمع بفهمه وعلمه ولا يحتاج إلى مترجم يفهمه ومعلم يعلمه، ومنها أن ينطق بحكمته وإتقانه من غير اضطراب ولا اختلاف، ومنها أن يصيب الحق دائما ولا يخطئ أبدا، ومنها أن يعلم جميع ما يحتاج إليه الناس ولا يجهل شيئا منه، ومنها أن يكون معلما للأحكام والعلوم التي وردت بها الشريعة فمن تقلد الخلافة وتحمل الرئاسة وليس فيه شيء من هذه الأمور فهو جائر لا يجوز العمل بقوله والرجوع إليه.
قوله (ما أقل مقامك) إشارة إلى ما فعله المهدي العباسي وابنه موسى وهارون من إخراجهم