تزول عنه وتكون له دونه ومبدؤه قلة التفكر والجهل بالله وحكمته وكثرة الحرص وحب الدنيا وإنما نسبه إلى أبيه دون نفسه ولم يقل يا أخي تذكيرا له بما صدر عن أبيه من الوصية إلى الحسين (عليه السلام) في حضوره.
قوله (كفارا حسدا) الآية هكذا (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق) قوله و «لو يردونكم» مفعول «ود» و «لو» بمعنى أن المصدرية أي أن يردوكم، وقوله «كفارا» أي مرتدين حال عن ضمير المخاطبين وقوله «حسدا» مفعول له لود وعلة له، وقوله «من عند أنفسهم» متعلق به أي ودوا ذلك من عند أنفسهم وهواها وتشبيها لا من قبل التدين والميل مع الحق أو بحسد أي حسدا منبعثا من أصل نفوسهم من بعدما تبين لهم الحق بالمعجزات والنعوت المذكورة في كتبهم. إذا عرفت هذا فنقول: كل من أنكر الحق حسدا فهو في زمرة الكافرين ومتصف بصفتهم. نعوذ بالله من ذلك.
قوله (ولم يجعل الله تعالى للشيطان عليك سلطانا) حيث من عليك بالإيمان فلا تجعل له عليك سلطانا بالكفر والارتداد ومتابعة مشتهيات النفس كما قال جل شأنه (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان ليس له عليك سلطان يجبرك على الشر حتى تكون معذورا وإنما فعلك ينسب إلى نفسك إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا كما قال عز شأنه (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
قوله (من أحب أن يبرني) بره يبره من باب علم أي أطاعه وأحسن إليه وأتى بحقوقه والغرض من هذه الأخبار حثه على الشكر بهذه النعمة الجليلة وعدم فعل ما يوجب زوالها.
قوله (يا محمد بن علي لو شئت) لعل المراد منه هو التنبيه بأن الإمام يجب أن يكون له علم بما في أصلاب الرجال وأرحام الأمهات وأن لا يخفى عليه شيء من ضمائر القلوب وخطرات النفوس ليقل بذلك طمعه في الإمامة والولاية لعدم اتصافه بهذا العلم.
قوله (يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي) العطف للتفسير وإلا فالنفس لا تموت وقوله «من بعدي» تأكيد وتوضيح لاتصال إمامة الحسين (عليه السلام) بمفارقة روحه المقدسة من غير فصل لئلا يتوهم السامع جواز الانفصال، وفيه تذكير له بما سمعه من أبيه (عليه السلام) حين أحضره وسائر أخوته عند الوصية إلى ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) وأشهدهم على ذلك، وقد روي أنه نظر بعد الوصية إلى محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت بما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك.