شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٩٠
والثبت كما يشعر به تقييد أبواب السماء بمصعد عمله، ويحتمل إرادة جميعهم أيضا، ولعل وجه بكائهم مع أن المؤمن إذا مات فرغ من التعب والآلام الدنيوية وخرج من السجن إلى النعيم واللذات الدائمة الاخروية امور:
الأول: طول مصاحبتهم له في هذه الدار وكمال انسهم به في هذا البدن فيشد عليهم مفارقته.
الثاني: فراغهم عن كتب حسناته الموجبة لرفع درجاته.
الثالث: انقطاع إعانته للمؤمنين وزوال نصرته لهم.
الرابع: مقاساته لكرب الموت وتحمله لشدائده واشتد ذلك عليهم فبكوا لأجله ترحما له.
(وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها) الموصول مع صلته إما صفة للبقاع أو صفة للأرض، وعلى التقديرين «يعبد» إما مبني للفاعل وفاعله ذلك المؤمن أو مبني للمفعول، فهذه احتمالات أربعة، فعلى الاحتمال الأول يكون البكاء مختصا بالبقاع التي هي مصلاه ومعبده في وقت من الأوقات أو في غالبها كما يشعر به لفظ كان، وعلى الاحتمالات الثلاثة الأخيرة يكون البكاء عاما لجميع البقاع وإن لم تكن مصلاه وقتا ما ووجه بكائها عليه محبتها له وفقدها لعلمه ومشيه على ظهرها ووجدها وحزنها على مفارقته.
(وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله) فيه رد على الفلاسفة القائلين بأن الأفلاك متصل واحد لا يقبل الخرق (1)، والقول بأن المراد بأبواب السماء ما يوصل أعماله إلى مقرها من العلويات

1 - من الوساوس الشيطانية الموجبة لتضليل الجهال وتشكيكهم في العقائد الدينية خلط اصطلاحات الفلسفة فيها فإنه مزلة خطرة فإذا سمع الجاهل هذا الحديث وأن العمل ترفعه الملائكة إلى أبواب السماء وتعرج به من تلك الأبواب إلى الله تعالى، فأول ما يتشكك فيه أن العمل ليس جسما يرفع وينقل من مكان إلى مكان، بل هو حركات وأقوال لا يبقى أصلا ولو سلم فليس للسماء باب بل هي مصمت ومتصل واحد لا منفذ فيه ولا يقبل الخرق والالتئام، ولو كان الموسوس من مقلدة عصرنا ليقولن ليس للسماء وجود أصلا، وإنما كان الاعتقاد بالسماء مذهب بطلميوس، وقد بطل بالهيئة الجديدة، ثم لا فائدة في رفع العمل إلى السماء مع أن الله تعالى في كل مكان، والجواب: أن الله تعالى ليس له مكان ولكن لما كانت السماء تدل على العلو والله متعال عن كل نقص ناسب عند ذكره ذكر السماء، ولو قال أحد: إن الله تحت قدمي فقد أساء الأدب، وإن كان قوله صحيحا مثل أن يقول: فوق رأسي، ورفع العمل إلى السماء عبارة عن تقريبه إلى الحق وقبوله، وهذا كما قال تعالى: (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة) وليس السماء هنا ما كان يعتقده بطلميوس بل هي تعبير عن العالم الأعلى ولا يجوز حمل كلام الإمام على اصطلاح الفلاسفة. (ش)
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست