شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٠١
(ويرغبكم في الآخرة عمله) الدال على إقباله إلى الامور الاخروية وإعراضه عن الشواغل الدنيوية، فإن رؤية الأعمال الصالحة والأفعال الفاضلة والعبادات الكاملة تؤثر في نفس الرائي تأثيرا عظيما حتى تنفض عنها غبار الشهوات وتنقض منها خمار الغفلات وتبعثها على الأعمال الموجبة للارتقاء إلى معارج القدس والارتواء بزلال الانس، فقد ذكر لمن ينبغي مجالسته ثلاثة أوصاف (1) هي امهات جميع الصفات المرضية; إذ هي مشتملة عليها كاشتمال المجمل على المفصل، وفيه إشعار بأن من لم يكن فيه هذه الصفات أو كان فيه أضدادها لا ينبغي المجالسة معه بل الفرار والاعتزال منه لازم، فإن مجالسته تميت القلب وتفسد الدين وتورث النفس ملكات مهلكة مؤدية إلى الخسران المبين، والضابط في الجليس أنه إما أن يكون لك أو يكون عليك، أو لا يكون لك ولا عليك، والأول ينبغي مجالسته عقلا ونقلا دون الأخيرين، وأما الثاني فلأن مجالسته تضييع للأوقات بلا منفعة، وهذا الحديث جامع بين الأحاديث المختلفة في الحث على الاعتزال والمخالطة.
* الأصل:
4 - محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة».
* الشرح:
محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم) ثقة عين صدوق من أجلة أصحابنا وفقهائهم.
(عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مجالسة أهل الدين) الدين في الشرع عبارة عن الشرائع الصادرة بواسطة الرسول وأهله هم العالمون بها، الحافظون لأركانها العالمون بأحكامها وشرائطها الواقفون على حدودها.
(شرف الدنيا والآخرة) الشرف العلو والرفعة (2) والسر في ذلك أن جليس أهل الدين إذا قابل

١ - قسم المعاشرة على ثلاث مراتب:
الاولى: الرؤية، والثانية: المحادثة والمكالمة، والثالثة: المشاركة في الأفعال والأعمال، فينبغي أن يكون من تعاشره أولا في زي أهل التقوى والصلاح بحيث إذا رأيته ذكرت الله تعالى، ثم إذا قربت منه أكثر تكلم بما يزيد في علمك، وبعد ذلك إذا آنسته وأكثرت مراودته وجدته عاملا بأعمال أهل الآخرة ورغبت أنت في عمله. (ش) ٢ - أما أنه شرف الآخرة فظاهر، وأما أنه شرف الدنيا فلما ذكره الشارح ولأن غالب أهل الدنيا وإن كانوا منغمرين في الشهوات طالبين للمال والجاه متهالكين على تحصيلهما ولا يرون لأهل الورع والتقوى فضلا بمقتضى طبيعتهم الشهوانية ولكن الحسن والقبح العقليين منطبعان في طبيعة الإنسان إذا خلي وطبعه وأنه حين ارتكاب الفحشاء معترف بقبحه باطنا وأن من لا يرتكب أفضل منه والمؤمن الصالح منظور إليه بنظر التعظيم حتى عند غير أهل نحلته وكذلك من يجالسهم، وكان في زماننا رجل من الهنود متقشفا متزهدا متمسكا بما دله عقله من الفضائل لو يؤت سعة من المال أوجب ذلك له شرفا وعزة ومنزلة عظيمة كان يكرمه المسلمون والنصارى والهنود لأنه تشبه بأهل الصلاح وهو «غاندي»، وإذا كان مثله كذلك فكيف بالمسلم الموحد إذا صدق في دعواه وتزهد مع إمكان التمتع بهواه؟ (ش)
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 105 106 107 ... » »»
الفهرست