شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٩٨
والسياسات المدنية التي بها يتم نظام العالم والرشاد واستعانة بني آدم في أمر المعاش والمعاد.
(وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون) من أمر الدنيا والآخرة، ومن الثواب والعقاب، وكيفية الحشر والنشر، والحلال والحرام، والعقائد وغير ذلك.
(فلو سألتموني عنه لعلمتكم) أشار به إلى كمال علمه بحقائق القرآن ومعارفه وظواهره وبواطنه كيف لا وقد رباه النبي (صلى الله عليه وآله) صغيرا، ووضعه في حجره وليدا، وعلمه جميع ما انزل إليه تعليما؟ كما أشار إليه (عليه السلام) في بعض خطبه: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد، ويضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه» (1).
قيل: وفي معناه ما رواه الحسن بن زيد بن علي بن الحسين، قال: سمعت زيدا يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمضع اللحمة والتمرة حتى تلين ويجعلها في فم علي (عليه السلام) وهو صغير في حجره (2)، ونقل عن مجاهد ما هو قريب منه، وقال بعض العامة: لقد كان فيه من الفضل والعلم ما لم يكن لجميع الصحابة، وبالجملة. هو (عليه السلام) بسبب تربية النبي (صلى الله عليه وآله) وشرافة نفسه القدسية كان أعلم الأولين والآخرين، وكان عالما بمنازل سكان السماوات ومراتبهم من الحضرة الربوبية ومقامات الأنبياء وخلفائهم من حظائر القدس وبأحوال الأفلاك ومداراتها وأحوال الأرضين وما فيها وبالامور الغيبية (3) والوقائع الماضية والمستقبلة وبمنازل القرآن ومقاماتها وهو لسان الحق في تيه الطبائع

1 - النهج: الخطبة المعروفة بالقاصعة، تحت رقم 190.
2 - أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج ذيل كلامه (عليه السلام) هذا في الخطبة القاصعة.
3 - لم يكن علمه آنيا حاصلا من تتبع الجزئيات بتنبيه المعلم وإرشاد الاستاذ، فإن ذلك يطول زمانا بل كان لميا حاصلا بالاطلاع على المبادئ والعلل بمنزلة من يعثر على كنز لا كمن يجمع المال قيراطا قيراطا، ومثاله الواضح علم النحو فإنه بين لأبي الأسود الدؤلي تقسيم الكلام إلى الاسم والفعل والحرف كما قسمه أرسطو طاليس قبله ونبهه على اختلاف أواخر الاسم بالنصب والرفع مثلا فتنبه أبو الأسود بأن كلام العرب يتغير أحكامه بتخالف أقسامه الثلاثة فالاسم معرب والحرف مبني والفعل بعضه معرب وبعضه مبني، فتتبع وأكمل ذلك كما أمره أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو (عليه السلام) وضع هذا العلم وفتح أبوابه على أبي الأسود بمنزلة مهندس يعرض طرح العمارة على البنائين يدل طرحه على تفوق علمه على علمهم جميعا وإن لم يفصل وكذلك أدلته على التوحيد وصفات الله وقوانين العدل وقواعد السياسة وما ورد عنه في الجبر والتفويض وفي العقول والنفوس وملائكة السماوات، وأما الامور الغيبية فأظهر من أن يذكر ولا تستبعد أن تدل كلمة واحدة على كثرة علم صاحبه كما يدل قوله تعالى: (كل يجري لأجل مسمى) على جميع علم النجوم، فإن من لم يكن كاملا في هذا العلم من البشر لا يعلم أنها تجري لأجل مسمى، ويحتمل عنده أن تختلف حركاتها ولا تصل لأجل مسمى إلى موضع بعينه، وكذلك قوله تعالى: (من كل شيء خلقنا زوجين اثنين) في الطبيعي. (ش)
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»
الفهرست