شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٣٠١
وبالجملة: العلوم إما متعلقة بأحوال المبدأ وكيفية الإيجاد أو بامور الآخرة وأحوال المعاد أو بالامور الكائنة فيما بينهما والأحوال المتعلقة بتلك الامور. وقد أشار (عليه السلام) إلى أن في القرآن جميع هذه الأقسام (1). وقد أكد ذلك بقوله:
(وخبر ما كان و [خبر] ما هو كائن) على سبيل الإجمال بعد التفصيل والاختصار بعد الانتشار، وقد عد جمع من المحققين منهم صاحب الكشاف مثل ذلك من المحسنات فلا يرد أن ذلك تكرار بلا فائدة.
(أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي) تأكيد لما مر من قوله: «وأنا أعلم الكتاب» مع الإشارة هنا إلى الزيادة في الإفادة بسبب تشبيه الإدراك العقلي بالإدراك الحسي قصدا لزيادة الايضاح والتقرير; لأن إدراك المحسوس أقوى من إدراك المعقول عند أكثر الناس وإن كان الأمر بالعكس عند الخواص وتنبيها على أن علمه بما في الكتاب علم شهودي كشفي بسيط واحد بالذات متعلق بالجميع كما أن رؤية الكف رؤية واحدة متعلقة بجميع أجزائه، والتعدد إنما هو بحسب الاعتبار وقد نشأ هذا العلم من إنارة عقلية وبصيرة ذهنية وقوة روحانية وهو أقوى من إدراك البصر عند اولي الألباب لأنهم يعرفون أن التفاوت بينهما بقدر التفاوت بين شعاع البصر ونور البصيرة.
(إن الله يقول: (فيه تبيان كل شيء)) دليل على ما أشار إليه من أن في القرآن خبر كل شيء مما كان وما يكون وما هو كائن وبرهان له لكسر أوهام العوام التي تتبادر إلى إنكار ذلك وعده من

١ - فإن قيل: ما فائدة اشتمال القرآن على ما لا يفهمه الناس وإن فهمه النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده، فما الفائدة فيه إذا لم يبينوه لنا وخصوصا ما ذكره الشارح من خبر المعدنيات وخواص المركبات ومنافعها ومضارها والناس محتاجون إليها يسعون لها سعيهم كما ترى في الطب والصنائع واستخرجوا معادن لم يكن للسابقين علم بها واكتشفوا منافع في الأدوية والعقاقير بمشقة شديدة وطول زمان ولو كان أمثال تلك مذكورة في القرآن كان حقا على من يفهمها أن يبديها للناس ويخلصهم من هذا العناء الطويل؟
قلنا: هذا كلام خارج عن مجرى الاعتبار الصحيح دعا إليه غلو بعض الناس في تعبيراتهم ومن عرف السنة الإلهية في خلقه علم أنه قسم الوظائف والتكاليف بعلمه وحكمته، وعالم الخلق عالم الفرق والتفصيل وكل شيء فيه خلق لشيء خاص بخلاف عالم الأمر ولو كان في الجنة شجر فيه جميع الثمار جمعا فليس في الدنيا مثله وقد بعث الله الأنبياء لدعوة الناس إلى التوحيد والمعرفة والتوجه إلى المعاد والإيمان بوجود عالم آخر وراء هذا العالم وإلى تهذيب النفوس وتتميم مكارم الأخلاق ودفع الظلم وتعظيم شأن أفراد الإنسان وحقوقهم وأما الطب والصنائع فقد خلق لها قوما آخرين ووكلهم بها وما يشتمل عليه القرآن منها فإنها مقصودة بالعرض وعلى سبيل الاعجاز. (ش)
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»
الفهرست