شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٩٨
كيفيتان متضادتان لا يمكن انفكاكه عنهما ووقع الاشتباه في كل واحد منهما فإن ترك الأخذ بهما مع الإتيان بذلك الفعل محال كقراءة البسملة في الصلاة الإخفاتية إذا وقع الاشتباه في وجوب إجهارها وحرمته، وكذا في وجوب إخفاتها وحرمته.
لأنا نقول: في هذا الفرض على تقدير تحققه يجب على المكلف الوقوف وترك العمل بكل واحدة منهما من حيث خصوصيتها لعدم علمه بأن الشارع طلبها على تلك الخصوصية، ولا ينافي ذلك فعل واحدة منهما من حيث التخيير بينها وبين ضدها بناء على أن طلب الفعل مستلزم لطلب الكيفية التي لا يوجد ذلك الفعل بدونها وإذا كانت تلك الكيفية أحد أمرين متضادين ولا دليل على خصوص أحدهما وقع التخيير بينهما، هذا حكم الوقوف من حيث العمل.
وأما الوقوف من حيث الحكم فأمره واضح; لأن الوقوف عن حكم كل واحد منهما لا ينافي العمل بواحد منهما باعتبار أن أصل الفعل المطلوب لا ينفك عنهما.
(وتركك حديثا لم تروه) الفعل إما مجرد معلوم، يقال: روى الحديث رواية أي حمله يعني أخذه من مأخذه وضبطه متنا وسندا وحفظه كلمة وحروفا من غير تبديل وتغيير مخل بالمعنى المقصود، أو مزيد معلوم من باب التفعيل أو الأفعال، يقال: رويته الحديث تروية وأرويته أي حملته على روايته أو مزيد مجهول من البابين ومنه روينا في الأخبار.
(خير من روايتك حديثا لم تحصه) «لم» مع مدخوله في الموضعين في محل النصب على أنه حال من ضمير الخطاب أو صفة لحديثا، والإحصاء العد والحفظ، تقول: أحصيت الشيء إذا عددته وحفظته، وكان استعماله في الحفظ باعتبار أنه لازم للعد إذ عد الشيء يستلزم العلم بواحد واحد معدود وحفظه على أبلغ الوجوه، فمعنى إحصاء الحديث علمه بجميع أحواله وحفظه من جميع جهاته التي ذكرناها في محله، والمعنى أن ترك رواية حديث لم تحمله على الوجه المذكور خير من روايتك إياه; لأنك إن رويته هلكت وأهلكت الناس بمتابعتهم لك فيما ليس لك به علم وإن تركت روايته سلمت وسلم الناس من الوقوع في الضلال، ويحتمل أن يكون المعنى تركك رواية حديث مضبوط محفوظ عندك (1) خير من روايتك حديثا غير محفوظ، ولفظة «خير» في هذه الفقرة على المعنيين، وفي الفقرة السابقة مجرد عن معنى التفضيل; إذ يعتبر أصل الفعل في المفضل عليه

1 - ولكن لا يعلم كيف تصور الشارح دلالة لم تروه على الحديث المحفوظ المضبوط وعدم الرواية تدل على عدم الضبط؟ إلا أن يقال: قد يكون الحديث مضبوطا محفوظا بأن كتبه وقابله لكن لم يسمعه من شيخه، وقد لا يكون مضبوطا أيضا، فمعنى الكلام أن ترك الحديث المضبوط الغير المسموع خير من رواية غير المضبوط، وفيه بعد وتكلف. (ش)
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست