(وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه) وهو ظاهر مما قررناه، فإن الغرض من الغش جلب الشر والضر إلى المغشوش، ولا ريب في أن أعظمهما هو الشقاوة الأبدية، ولا في أن تلك الشقاوة إنما تحصل بمعصية الله تعالى، ولا في أن من كانت معصيته أتم كانت شقاوته أعظم، فلا شبهة في أن أغش الناس لنفسه من بالغ في معصية ربه. وحاصل الفقرة الاولى هو الأمر بالطاعة والتعلم أتم ما يكون، والثانية هو النهي عن المعاصي أبلغ ما يتصور، ورغب في الطاعة بذكر نصيحة النفس لكون النصيحة محبوبة مرغوبة، ونفر عن المعصية بذكر غشها لكون الغش مستكرها مهروبا عنه، ولما أشار (عليه السلام) إلى أن المطيع ناصح لنفسه والنصح لا يكون إلا لخير يعود إليه أراد أن يشير إلى ذلك الخير إجمالا وتعظيما لشأنه، إذ التفصيل مما يعجز عنه إدراك عقولنا فقال:
(ومن يطع الله يأمن ويستبشر) أي من يطع الله في حلاله وحرامه وأوامره ونواهيه وفي كل ما جاء به نبيه (صلى الله عليه وآله) يأمن العقوبات والمكروهات الاخروية والدنيوية ويستبشر عند الموت وما بعده بالتفضلات والمثوبات الاخروية مما لا عين رأيت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (1)، وكذا لما أشار إلى أن العاصي غاش لنفسه والغش لا يكون إلا لضرر يعود إليه أشار إجمالا إلى ذلك الضرر:
(ومن يعص الله يخب ويندم) أي من يعص الله تعالى في الامور المذكورة وآثر الرذائل على الفضائل والسيئات على الحسنات ورتفع في مراتع النفس الأمارة وتبع ميولها إلى مقتضيات القوة الشهوية والغضبية ولم يؤدبها بالتأديبات الشرعية والسياسات العقلية والنقلية فهو يخيب من الرحمة الإلهية والبشارات والكرامات الربانية، ولا ينال المثوبات الاخروية ويندم مما فرط في جنب الله من إيثار الامور المذكورة الزائلة الفانية على الامور الدائمة الباقية.
هذا وأمثاله حين شاهدوا أهوال الآخرة واشتد فزعهم بها قالوا: (ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا) (غير الذي كنا نعمل) فيجيبهم رب العزة: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا وما للظالمين من نصير).
وفي العبارة الاولى أمر بالطاعة وترغيب فيها بذكر فوائدها ومنافعها.
وفي الثانية نهي عن المعصية وتبعيد عنها بذكر مضارها ومقابحها، وينبغي أن يعلم أنهم (عليهم السلام) هم الحكماء الإلهيون البالغون ونحن الأطفال الناقصون فهم يكلموننا على قدر عقولنا ويرغبوننا في