فيستهلك في نظر الطالب الأغيار وتحترق الحجب والأستار، فلا ينظر إلا إليه، والتوفيق منه والتكلان عليه.
ثم زاد في التنفير عن ترك العمل بقوله:
(إن العالم بغيره) أي بغير علمه أو بغير ما يقتضيه علمه من الأعمال الصالحة.
(كالجاهل الحائر) في عدم العلم; لأن العلم بلا عمل ليس بعلم، بل هو أسوء من الجهل، وفي الهلاك والضلال والأخذ على غير طريق الحق والجور عن قصد السبيل، سواء كان جهله بسيطا أو مركبا.
(الذي لا يستفيق عن جهله) ولا يطلب الخروج منه، ولا يرجع من مرض الجهل إلى الصحة، وتشبيه الجهل بالسكران استعارة مكنية، وذكر عدم الاستفاقة تخييلية، ويلزم من هذا الكلام بطريق العكس أن الجاهل المتعلم كالعالم العامل كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له:
«الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، والعالم المتعسف شبيه بالجاهل» (1).
(بل قد رأيت) أي بل قد علمت يقينا مثل المعاينة.
(أن الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه) لإشراف علمه بترك العمل به إلى الزوال والفناء.
(منها على هذا الجاهل المتحير في جهله) قوله: «منها» متعلق بأعظم وأدوم على سبيل التنازع، وأما أن الحجة على هذا العالم أعظم فلأن محاسبة الناس والاحتجاج عليهم يوم القيامة على قدر عقولهم، ولأنه لما ترك ما علم حقيقته وعمل بخلافه انقطع عذره، ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«قطع العلم عذر المتعللين» (2)، يعني أرباب التعلل العالمين بما يتعللون به لا عذر لهم بخلاف الجاهل والناسي فإن للجاهلين أن يقولوا: إنا كنا عن هذا غافلين.
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «العلم علمان: علم اللسان وذلك حجة الله على آدم، وعلم في القلب وذلك العلم النافع» (3)، أي الذي يستلزم الطاعة والعمل، وأما أن الحسرة عليه أدوم فلأنه