شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٥٥
أبي ليلى الأنصاري الكوفي، من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو من خواصه، شهد معه مشاهده، وضربه الحجاج على سبه حتى اسود كتفاه.
(قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا سمعتم العلم فاستعملوه) فيه دلالة ما على أن العلم المتعلق بالعمل ينبغي استماعه من أهله، وذلك لأن هذا العلم منوط بتعيين الواضع فلا بد من السماع منه ولو بواسطة، وعلى أنه ينبغي أن يكون مقرونا بالعمل; لأن العمل هو المقصود الأصلي منه، فمن طلبه ولم يعمل على مقتضاه فقد ضيع عمره فيما لا ينفعه، بل فيما هو حجة عليه وموجب لزيادة العقاب، وفي قوله: «فاستعملوه» إشعار بأنه يجب أن يكون المقرون بزمان الاستماع طلب العلم لا نفسه; لأن العمل قد يكون متأخرا عنه زمانا فينبغي للمؤمن قبل حضور وقت العمل القصد إلى فعله بعده وعلى أنه ينبغي أن لا يشتغل بطلب علم آخر قبل أن يعمل بما علمه.
(ولتتسع قلوبكم) اتسع صار واسعا غير متضيق، أي لتصر قلوبكم واسعة قابلة لاحتمال العلم والعمل، قادرة على الإحاطة بهما غير عاجزة عن ضبطها. وفيه إرشاد للمتعلم إلى أنه ينبغي أن يقتصر في التعلم على قدر فهمه وضبطه ولا يطلب قبل تملكه ما يعجز عنه فهمه ويتكدر به ذهنه ولا يبلغ إليه عقله، فإن قلبه في أول الفطرة ميت خال عن العلوم كلها، وإنما يقبلها على سبيل التدريج حتى يصير نورا إلهيا ومصباحا ربانيا يشاهد به ما في عالم الملك والملكوت، وهذا كما قال بعض أصحاب الحال لمريده: ولتكن أنت حاكما على الحال، لا الحال حاكما عليك.
(فإن العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله) أي يعجز عن احتماله واحتمال لما يتبعه من العمل، ويتحير فيه ويضعف عن الإحاطة به، وقوله: «لا يحتمله» صفة لقلب رجل أو لرجل.
(قدر الشيطان عليه) بالاغواء والوسوسة بإلقاء الشبهات عليه فيما علمه وفي العمل به، وذلك لأن الرجل إذا تحير في العلوم ولم يعرف حقيقتها وحقيتها كان اقتدار الشيطان على تشكيكه فيها وفي العمل بها أكثر وأعظم من اقتداره على غيره والشرط والجزاء في محل الرفع على أنه خبر أن، ولما كان هنا مظنة شكاية بأن مخاصمة الشيطان وكيده لا يمكن دفعها مع العلم القليل الذي يتسع
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست