كذا وصفهما وحالهما في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلتحير هما وعدم توجهما إلى شيء ينفعهما ونقصان منزلتهما عند العاملين وانحطاط مرتبتهما عند الصالحين وسقوطهما في تيه الضلالة وهبوطهما في وهدة الغواية وأسرهما في يد النفس الأمارة، وأما في الآخرة فلهلاك نفوسهما بالشرور والأمراض المهلكة وموت قلوبهما بالرذائل المذمومة المردية واستحقاقهما للعذاب الأليم ونار الجحيم.
وقد حث على تحصيل العلم والأخذ على اليقين والعمل به والاجتناب عن الارتياب والشك الموجبين للكفر بقوله:
(لا ترتابوا فتشكوا) الريبة بالكسر في الأصل القلق والاضطراب، ثم شاع استعمالها في الشك وسوء الظن والتهمة، كما يظهر من المغرب والنهاية لأن كل واحد من هذه الامور يستلزم المعنى الأصلي ويجوز إرادة كل واحد من هذه المعاني هنا. والمعنى على الأول لا توقعوا أنفسكم في قلق واضطراب بسبب ثقل العمل بما يقتضيه العلم، فإنه يؤدي بكم إلى تشكوا في العلم والعمل والمعلوم جميعا، أو بسبب صرف الفكر يعارض الحق ويدفعه من الشبهات فإنه يؤدي بكم إلى الشك فيه.
وعلى الثاني لا تشكوا في العلوم المتعلقة بالامور الدينية ولا في العمل والمعلوم فإنه يؤدي بكم إلى أن تشكوا في الدين. وعلى الثالث لا تتهموا أهل العلم ولا تتصفوا بسوء الظن بهم ولا تنسبوهم إلى احتمال الكذب والافتراء، فإنه يؤدي بكم إلى الشك في صدقهم، وفيه زجر عن الارتياب في أمر صدر عن مشكاة النبوة ومعدن الخلافة وحث على قبوله بالطاعة والانقياد، سواء كان ذلك الأمر من باب المعارف الإلهية أو من باب الأحكام الشرعية، وسواء علم وجه مصلحته أو لم يعلم، فإن عليهم البلاغ وعلينا التسليم.
(ولا تشكوا فتكفروا) أي تشكوا في شيء من الامور المذكورة فإنكم إن تشكوا فيه تكفروا، فإن الشك فيه كفر بالله العظيم وبما أنزله إلى رسوله الكريم، ثم حث على العمل بالطاعات والاجتناب عن المنهيات وغيرها مما يمكن أن يؤدي إليها بقوله:
(ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا) الرخصة في الأمر خلاف التشديد، وقد رخص له في كذا ترخيصا فترخص هو فيه، والإدهان والمداهنة الملاينة والمساهلة وإظهار خلاف ما تضمر والغش، يعني لا تجعلوا أنفسكم مرخصة في ترك التعلم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنكم إذا فعلتم ذلك تساهلوا في أمر الدين وإحياء نفوسكم، وفيه هلاك أبدي لكم ولهم، وكذا لا تجعلوها