وحقارة الدنيا وما فيها وعظمة الجنة ونعيمها ودوامها وكيفية حشر الخلائق وشدائد أحوالهم من مشاهدة أهوال القيامة وملاحظة سوء حال المذنبين ووخامة عذابهم ورداءة عاقبتهم يأخذ القلب المتفكر فيها عن أيدي الآمال الباطلة والمتمنيات الزائلة والأخلاق الفاسدة والذنوب القاتلة ويصرفها إلى جناب الحق وحضرته ويجعله منورا مجلوا طاهرا مطهرا من جميع الخبائث بحيث يصير مرآة الحق ويشاهد في ذاته جماله وجلاله وكماله وصور الملك والملكوت.
* الأصل:
9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان، عن منصور الصيقل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة».
* الشرح:
(عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب) الأزدي، الثقة.
(عن عمر بن أبان) كوفي، ثقة.
(عن منصور الصيقل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: تذاكر العلم دراسة) مصدر بمعنى القراءة.
قال في الكنز: دراسة «علم خواندن وكتاب خواندن». وقال ابن الأثير فيه: «تدارسوا القرآن» أي اقرؤوه وتعهدوه لئلا تنسوه يقال: درس يدرس درسا ودراسة، وأصل الدراسة الرياضة والتعهد للشيء، ولعل المقصود أن تذاكر العلم فيما بينكم مثل قراءته وأخذه من الاستاذ في الأجر أو المقصود أن تذاكره تعهد وتحفظ له وتجديد عهد به يوجب عدم نسيانه; لأن العلم صيد ومذاكرته قيد، وسر ذلك أن القلب لالفه بالمحسوسات بعيد عن المعقولات، فلا بد له من صارف يصرفه إليها وأفضل الصوارف هو المذاكرة.
(والدراسة صلاة حسنة) حسنة صفة لصلاة لا خبر بعد خبر; إذ لا وجه لجعل الدراسة بمنزلة الصلاة على الإطلاق، وإن لم تكن حسنة مقبولة، وهذا الكلام يحتمل وجوها:
الأول: أن فضل الدراسة على سائر الأعمال القلبية كفضل الصلاة المقبولة على سائر الأعمال البدنية. الثاني: أن الدراسة كالصلاة المقبولة في الأجر والتقرب منه تعالى أو في محو السيئات إن الصلوات يذهبن السيئات (1). الثالث: أن الدراسة صلاة مقبولة قلبية; إذ كما أن للجوارح صلاة كذلك للقلب صلاة هي المذاكرة.