شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١١٩
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قام عيسى بن مريم (عليه السلام) خطيبا في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل، لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قام عيسى بن مريم (عليه السلام) خطيبا في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل، لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها) الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والحكمة هي العلم بالمعارف والشرائع وتعليقها على أعناق الجهال وهم الذين يستنكفون منها (1) أو يفقدون قوة الاستعداد لإدراكها أو يضيعونها ويجعلونها وسيلة لنيل الشهوات النفسانية أو يستحقرون معلمها أو يؤذونه كان كتعليق الجوهر الثمين على أعناق الخنازير، بل أقبح منه عند أرباب البصائر الثاقبة، وهو ظلم على الحكمة، وعليه يحمل قوله (صلى الله عليه وآله): «لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير» (2)، والنهي عن كتمانها والوعيد عليه محمول على النهي عنه عن أهلها، كيف وقد كتمها النبي (صلى الله عليه وآله) في أول البعثة عن كفرة قريش، وفي تبليغ ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ كما يرشد إليه قوله (عليه السلام): «ها إن هاهنا لعلما جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة»؟! بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه مستعملا آلة الدين للدنيا ومستظهرا بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه أو متقلدا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة ألا لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوة أو مغرما بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شيء

1 - فإن قيل: أليس وظيفة العلماء تعليم الجهال فكيف منعوا منه؟
قلنا: ليس جميع ما يتعلق بالدين مما يجب أن يعرفه كل الناس، بل فيه ما لا تصل إليه عقول أكثرهم وليس ما يتبادر إلى أذهان بعضهم من أن ما لا يفهمه العامة فهو باطل، أوليس من الدين صحيحا؟
وحينئذ فالواجب على العلماء أن يكلموا الناس على قدر عقولهم، فمن وجده العالم أهلا لفهم الغوامض علمه إياها، وإلا فلا، مثلا تقرير شبهة الأكل والمأكول الجواب عنها والفرق بين الحادث الزماني والذاتي ومعنى إعادة المعدوم وأنه ممكن أو محال وتفسير الفناء في الله والبقاء به لا يناسب البدوي والقروي، ويجب الامساك عنه وعن أمثاله، ورأيت من بعض الناس ما يقضي منه العجب ولا يصدق به. قال: إن العلامة الحلي (رحمه الله) في شرح التجريد أنكر المعاد، فقلت: كيف يمكن ذلك وهو أعلم علماء الإسلام وما عرفنا هذا الدين إلا ببركته وبركة أمثاله؟ قال: قد صرح بذلك وجاء بالكتاب وأراني قوله في استحالة إعادة المعدوم، فعلمت وجه خطئه وفي ذهن العوام لوازم وملزومات واصول مسلمة لا تخطر ببال العلماء ينصرف ذهنهم من اللفظ إلى امور لا دلالة لها عليه ويجب الاجتناب عن أمثال تلك الامور. (ش) 2 - رواه ابن النجار من حديث أنس كما في الجامع الصغير وكنوز الحقائق للمناوي هكذا: «لا تطرحوا الدر في أفواه الخنازير».
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست